{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( 12 )} .
تعليق على الآية:
{يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} .
عبارة الآية واضحة ،وفيها أمر للمسلمين بأن يعطوا صدقة ما حينما يريدون أن يجتمعوا مع النبي اجتماعا خاصا ويتحدثوا معه في أمر ما ،ففي ذلك خير وثواب لهم وتطهير لأنفسهم مع استثناء الفقراء الذين ليس معهم ما يعطونه ،فإن الله غفور رحيم .
ولقد روى المفسرون{[2162]}: إن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأكثروا حتى شق عليه وثقل ،فأراد الله أن يخفف عنه فأمرهم بتقديم صدقة بين يدي أسئلتهم واستفتاءاتهم ،كما رووا أن الأغنياء كانوا يغلبون الفقراء على مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ،فأنزل الله الآية ليكون فيها إفساح وتفريج للفقراء .
ولسنا نرى الروايات معقولة ،ولا مما يصح أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما أننا لا نراها متسقة مع مضمون الآية ،وليست واردة بعد في كتب الحديث المعتبرة .
ويتبادر لنا أن حكمة فرض هذه الصدقة بين يدي مناجاة أحد من المسلمين لرسول الله هو جعل مراجعات الناس للنبي صلى الله عليه وسلم في قضايا ومشاكلهم الخاصة وسيلة من وسائل أخذ بعض المال من ميسوريهم لإنفاقه على المحتاجين والمصالح العامة .أو بتعبير آخر وضع رسم قضاء وفتوى على نحو ما كان مألوفا ومعتادا عليه في القضاء العربي قبل الإسلام ،وقد سمته الآية صدقة ؛لأنه لم يكن لشخص النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم تحل له الصدقة{[2163]} وإنما أريد لمصلحة المسلمين العامة وفقرائهم ،وقد كانت الزكاة تسمى صدقة أيضا ،وهي شريعة مفروضة .وتعبير{إذا ناجيتم} يفيد معنى الاجتماع الخاص من أجل عرض قضية أو مشكلة خاصة للاستفتاء أو التقاضي .ويجوز أن تكون حكمة التنزيل اقتضت ذلك حينما أخذت استفتاءات الناس الخاصة تكثر على النبي صلى الله عليه وسلم لتكون تلك الوسيلة ،ويجوز أن يكون ذلك انبثق في نفس النبي صلى الله عليه وسلم أولا ،فأيدته حكمة التنزيل قرآنا .وفي القرآن أمثلة لذلك على ما شرحناه في سياق آية البقرة التي فيها{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ...} ( 144 ) والله تعالى أعلم .
ولقد روى المفسرون حديثا عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول ...} قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى دينارا ؟قلت: لا يطيقونه .قال: فنصف دينار ؟قلت: لا يطيقونه .قال: فكم قلت ؟حبة أو شعرة .قال: إنك لزهيد{[2164]} وقد يكون في هذا الحديث الذي رواه الترمذي أيضا دعم لما تبادر لنا من حكمة التكليف .والله أعلم .
وإتماما للحديث نذكر أن في كتب الحديث الصحيحة أي كتب صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي أحاديث عديدة تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تحل له ولا لآله .ومصداق ذلك في القرآن الكريم أيضا ؛حيث لم يجعل لرسول الله نصيب في الصدقات كما جاء في آية سورة التوبة هذه{إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} ( 60 )، بينما جعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب خمس الغنائم كما جاء في آية سورة الأنفال هذه:{واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}( 41 ) .
وجعل له نصيب في الفيء أيضا ،وهو ما عاد للمسلمين من الأعداء بدون حرب كما جاء في آية سورة الحشر هذه:{ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} ( 7 )، فتكون الصدقة التي أمر الله المسلمين بتقديمها بين يدي نجواه قد أريد بها مورد لبيت المال لإنفاقه على مصالح المسلمين وفقرائهم كما ذكرنا والله أعلم .