سبب النّزول:
نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان وكذلك جمع آخر من المفسّرين أنّ هذه الآية أنزلت في الأغنياء ،وذلك أنّهم كانوا يأتون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيكثرون مناجاتهوهذا العمل بالإضافة إلى أنّه يشغل الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويأخذ من وقته فإنّه كان يسبّب عدم ارتياح المستضعفين منه ،وحيث يشعرهم بامتياز الأغنياء عليهمفأمر سبحانه ب ( الصدقة ) عند المناجاة ،فلمّا رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته ،فنزلت آية الرخصة التي لامت الأغنياء ونسخت حكم الآية الاُولى وسمح للجميع بالمناجاة ،حيث أنّ النجوى هنا حول عمل الخير وطاعة المعبود{[5163]} .
وصرّح بعض المفسّرين أيضاً أنّ هدف البعض من «النجوى » هو الاستعلاء على الآخرين بهذا الأسلوب .وبالرغم من أنّ الرّسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان غير مرتاح لهذا الأسلوب ،إلاّ أنّه لم يمنع منه ،حتّى نهاهم القرآن من ذلك{[5164]} .
التّفسير:
الصدقة قبل النجوى ( اختبار رائع ):
في قسم من الآيات السابقة كان البحث حول موضوع النجوى ،وفي الآيات مورد البحث استمرارا وتكملة لهذا المطلب .
يقول سبحانه: ( يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ) وكما ذكرنا في سبب نزول هذه الآيات ،فإنّ بعض الناس وخاصّة الأغنياء منهم كانوا يزاحمون الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) باستمرار ويتناجون معه ...ولمّا كان هذا العمل يسبّب إزعاجاً للرسول بالإضافة إلى كونه هدراً لوقته الثمين ،وفيه ما يشعر بالخصوصية لهؤلاء الذين يناجونه بدون مبرّر لذا نزل الحكم أعلاه ،وكان امتحانا لهم ،ومساعدة للفقراء ،ووسيلة مؤثّرة للحدّ من مضايقة هؤلاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثمّ يضيف بقوله تعالى: ( ذلك خير لكم وأطهر ) ، أمّا كون الصدقة «خير » فإنّها كانت للأغنياء موضع أجر وللفقراء مورد مساعدة ،وأمّا كونها ( أطهر ) فلأنّها تغسل قلوب الأغنياء من حبّ المال ،وقلوب الفقراء من الغلّ والحقد ،لأنّه عندما تكون النجوى مقرونة بالصدقة تكون دائرتها أضيق ممّا كانت عليه في الحالة المجانية ،وبالتالي فإنّها نوع من التصحيح والتهذيب الفكري والاجتماعي للمسلمين .
ولكن لو كان التصدّق قبل النجوى واجباً على الجميع ،فإنّ الفقراء عندئذ سيحرمون من طرح المسائل المهمّة كاحتياجاتهم ومشاكلهم أمام الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )فلذا جاء في ذيل الآية إسقاط هذا الحكم عن المجموعة المستضعفة ممّا مكّنهم من مناجاة الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )،والتحدّث معه{فإن لم تجدوا فإنّ الله غفور رحيم} .
وبهذه الصورة فإنّ دفع الصدقة قبل النجوى كان واجباً على الأغنياء دون غيرهم .
/خ13