( 2 ) لحد: ولحد بمعنى مال وانحرف عن الحق .والكلمة في مقامها تعني ما كان المشركون يخلطونه من أسماء شركائهم بأسماء الله عز وجل .
/م178
تعليق على جملة
{الذين يلحدون في أسمائه}
واستطراد إلى ذكر أسماء الله الحسنى
ولقد روى الطبري وغيره: أن المراد بجملة{الذين يلحدون في أسمائه} ما كان المشركون يطلقونه على شركائهم من أسماء"الرحمان "و "الرب "و "الإله "و "العزى "- مؤنث العزيز- وغيرها من الأسماء والصفات التي لا تليق إلا بالله رب العالمين وهو تأويل وجيه .وقد وضعت الآية الأمر في نصابه حيث قررت أن الأسماء الحسنى والصفات الكاملة إنما تليق بالله وحده رب كل شيء وخالق كل شيء .
ومع أن تعبير{الأسماء الحسنى} يفيد معنى أحسن الأسماء إطلاقا فقد اعتاد المسلمون أن يحصروا أسماء الله في تسعة وتسعين اسما وصفة وهي ما ورد في القرآن من أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى ،وأن يصطلحوا على تسميتها بهذا التعبير .
ولقد روى الشيخان والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة ،وإن الله وتر يحب الوتر ){[1009]} ،وروى الترمذي وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة أيضا قال: ( قال النبي صلى الله عليه وسلم إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة: هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمان الرحيم .الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المذل المعز السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور ){[1010]} .
وجميع هذه الأسماء مما ورد في القرآن .
ولقد أورد ابن كثير هذه الأحاديث أيضا .وذكر في سياق الحديث الطويل أن الترمذي راويه قال هذا حديث غريب .ثم عقب على ذلك قائلا: وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ورواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجه في سننه .ثم قال: وليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أصاب أحد قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ،ابن عبدك ،ابن أمتك ،ناصيتي بيدك ،ماض في حكمك .عدل في قضاؤك ،أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي .إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدل مكانه فرحا .فقيل يا رسول الله أفلا نتعلمها ؟فقال بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها ) وعقب ابن كثير على هذا الحديث قائلا: ( أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه ،وإن الفقيه الإمام أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية ذكر في كتابه"الأحوذي في شرح الترمذي "أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم ،فالله أعلم ) .
ولقد قال بعض العلماء: عن صيغة حديث الترمذي لا تعني انحصار الأسماء بما ورد فيها ،ولا تمنع أن يكون لله تعالى أسماء أخرى في القرآن والحديث .والقول وجيه يزول به الإشكال الذي يمكن أن يتبادر من صيغة الحديث مع وجود أسماء أخرى في القرآن غير ما ورد فيه .
هذا ،ولقد روى الطبري عن ابن زيد في سياق جملة{وذروا الذين يلحدون في أسمائه} أنها منسوخة بآيات القتال ،وهذا ما يتكرر من بعض أهل التأويل في سياق كل آية مماثلة فيها تعبير أو إمهال أو أمر بذلك .وقد قال الطبري: إنه لا معنى لذلك لأن الجملة ليست أمرا من الله لنبيه بترك المشركين أن يقولوا ذلك حتى يأذن له بقتالهم وإنما هو تهديد من الله للملحدين بأسمائهم ووعيد منه ومثله قوله تعالى:{ذرهم يأكلون ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون} [ الحجر: 3] و{ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} [ النحل: 55] وقول الطبري سديد وجيه .ولقد تطرقنا إلى هذا الموضوع في سياق سورة [ الكافرون] وانتهى بنا البحث استنادا إلى الدلائل التي أوردناها أن القتال إنما يكون للكفار الأعداء المعتدين على الإسلام والمسلمين بأي أسلوب من أساليب الاعتداء بما في ذلك الصد عنه والطعن فيه وأذية معتنقيه .فنكتفي بهذا التنبيه في هذا المقام .