وإن المشركين كانوا يعبدون غير الله تعالى ، وينكرون صفات الله تعالى التي تجعله وحده المستحق للعبادة ، ولذا قال تعالى:
{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 180 )} .
تطلق الأسماء ويراد المسميات ، والأسماء هنا يراد بها صفات الذات العلية التي لا يماثلها صفات الحوادث ، كما قال تعالى:{. . . . . . . . . . . ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( 11 )} ( الشورى ) مثل القاهر القادر المريد السميع البصير ، والغفور الرحيم الرحمن ، فإن هذه وأشباهها أسماء الله تعالى ، وهي أيضا صفاته وهي ليست شيئا غير ذاته ، إنما هي مبينة لها ، معرفة بها ، فنحن نعرفه سبحانه بهذه الصفات التي هي أسماؤه سبحانه وتعالى ، وبعدد الأسماء أو الصفات لا يقتضي تعدد المسمى ، أو الموصوف ، ولقد سمع مشرك قول المؤمن في وصف الله تعالى بأنه الغفور الرحيم ، فقال جاهلا أو متجاهلا:إن محمدا يدعو إلى إله واحد ، فما باله يذكر إلهين . وهذا إلحاد في أسمائه سبحانه ، فالموصوف لا يتعدد بتعدد الوصف ، والمسمى لا يتعدد بتعدد الاسم ، وقد روى الترمذي وغيره أن لله تعالى تسعة وتسعين اسما ، أي وصفا ، وقد ذكر ابن كثير هذه الأسماء التي بلغت هذا العدد فقال:( وهو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور ) .
وقد رويت هذه الأسماء في الصحاح بأحاديث مختلفة ، والله قد اتصف بكل هذه الأسماء .
وصف أسماء الله تعالى بالحسنى ، وهي مؤنث أحسن ، وأفعل التفضيل ليس على بابه ، والمعنى أنها بلغت أقصى درجات الحسن والكمال ؛ لأنها صفات المتصف بكل كمال .
وقد قال تعالى:{ فادعوه بها} الفاء للإفصاح ، أي إذا كانت الأسماء هي صفات الكمال المطلق ، فادعوه بها أي نادوه في دعائكم وضراعتكم إليه بها .
{ وذروا الذين يلحدون في أسمائه} ، أي يتخذون الإلحاد والشرك في أسمائه ، وذلك بالزيادة فيها بما لا يليق بالذات العلية أو يغيروها بما لا يليق بذاته ، كالمعطلة والمشبهة الذين يفسرونها بما يشبه الحوادث ، أو ينقصون منها تبعا لأهوائهم ، وقوله تعالى:{ ذروا} أي اتركوهم بمعنى لا تقيموا لقولهم وزنا ، ولا تتبعوا ما يقولون .
ثم ذكر الله تعالى جزاءهم فقال:{ سيجزون ما كانوا يعملون} السين هنا لتأكيد وقوع الفعل في المستقبل ، وقد قدروا الباء ، أي:سيجزون بما كانوا يعملون .
وإن حذف الباء فيه إشارة بيانية ، وهو توافق الجزاء مع العمل ، حتى لكأن الجزاء هو العمل ذاته ، لاتحاد السبب والمسبب ، فكان جزاء وفاقا للعمل لا يزيد عليه ، وقد يغفر له متغمدا له برحمته .