( 1 ) التراقي: جمع ترقوة وهي أعلى الصدر مما يلي الحلق .وبلغت التراقي بمعنى وصلت روح الإنسان إلى ترقوته في طريقها إلى الخروج منه ،والجملة كناية عن الاحتضار .
{كلا إذا بلغت التراقي1( 26 ) وقيل من راق2 ( 27 ) وظن3 أنه الفراق( 28 ) والتفت الساق بالساق4( 29 ) إلى ربك يومئذ المساق5( 30 ) فلا صدق ولا صلى( 31 ) ولكن كذب وتولى( 32 ) ثم ذهب إلى أهله يتمطى6( 33 ) أولى لك فأولى( 34 )7 ثم أولى لك فأولى( 35 ) أيحسب الإنسان أن يترك سدى( 36 ) ألم يك نطفة من مني يمنى( 37 ) ثم كان علقة فخلق فسوى( 38 ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى( 39 ) أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى( 40 ) ) [ 26-40]
والآيات استمرار للسياق أيضا .وهي في صدد الإنذار بالآخرة ومصائر الناس فيها ،والبرهنة على قدرة الله على بعث الناس وحشرهم إلى الحساب والجزاء .وفيها وصف لحال الإنسان حينما يحضره الموت ،ويتأكد من فراق الدنيا ويساق إلى الله ؛وفيها تنديد في معرض الإنذار لمن لا يكون قد آمن وقام بواجبات عبادة الله وأعرض عن الدعوة إليه مستكبرا متبخترا ،وتساؤل استنكاري في معرض التوكيد بأن الله لا يمكن أن يكون خلق الناس عبثا ،وأن يتركهم بدون حساب وجزاء كما قد يحسب الجاحدون .فالله قد أنشأ الإنسان من نطفة ثم من علقة ثم جعله خلقا سويا ثم جعله زوجين ذكرا وأنثى ،ومن قدر أن يفعل ذلك قادر من باب أولى أن يحيي الموتى ويبعثهم ليحاسبوا على أعمالهم .
والآيات على ما يبدو من مجموعها في صدد التنديد بالمعاند المكذب ليوم القيامة المهمل لواجباته نحو الله والمنصرف عن دعوته .والوصف الذي بدأت به الآيات قد قصد به على ما هو المتبادر تذكير السامعين ،وبخاصة المعاندين والمكذبين بالمصير المحتوم لكل حي ،وإثارة الخوف في نفوسهم ودعوتهم إلى التفكير في العاقبة والمصير قبل أن يصلوا إلى النهاية من آجالهم وتكون الفرصة قد أفلتت منهم .