ثم أشار سبحانه إلى ظلم من كذب على الله أو كذب بآياته فقال تعالى:{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون17} .
"الفاء"للإفصاح عن شرط مقدر ، تقديره:إذا كان من عندي كما تدعون وكما تفترون ،{ فمن أظلم} والاستفهام هنا إنكاري بمعنى إنكار الوقوع ، أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا بأنه من عند الله وما هو من عند الله ، وهنا يبين سبحانه أن نبيه لا يمكن أن يكذب على الله ؛ لأن ذلك أشد الظلم وأقبحه ، وأن الله لا يختار لنبوته كذابا كقوله تعالى:{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل مثل ما انزل الله . . .93}( الأنعام ) .
ويكون النص على هذا إثبات أن القرآن الذي تلاه عليهم هو من عند الله ؛ لأنه ليس بظالم ، فضلا عن أن يكون أظلم الناس ، إذ هو الصادق الأمين الذي عرفتموه ، وهو تنديد بالمشركين ؛ فهم أظلم الناس ؛ لأنهم افتروا على الله تعالى إذ أشركوا به غيره ، وأي افتراء أكبر من ذلك ، ثم هم قد سفهوا النبي صلى الله عليه وسلم وافتروا عليه الكذب .
وقد بين سبحانه شعبة أخرى من ظلم المشركين الذي لا يماثله ظلم ، وهو تكذيب القرآن الكريم وإنكار نسبته إلى الله تعالى ، وكذبوا الدلائل الواضحات في الخلق والتكوين فأشركوا بالله ؛ لأن هذه الآيات الكونية تدل على أن الله واحد أحد ليس له ولد ولم يكن له كفوا أحد .
{ إنه لا يفلح المجرمون} الضمير هو ضمير الشأن ، أي أن الحال والشأن أنه لا يفلح أي لا يفوز ولا ينجح ، وقد أكد نفي فلاحهم:أولا:بالجملة الاسمية ، ثانيا:ب( إن ) الدالة على التأكيد ، ثالثا- أنه وصفهم بالإجرام وهو الشرك وكسب الفساد .