{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم 9دعواهم فيها سبحانك الله وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين 10}( يونس ) .
هذا جزاء الذين يرجون لقاء الله ويتوقعونه مستيقنين به ؛ لأنهم آمنوا فيخافون العذاب ويرجون الثواب{ يهديهم ربهم بإيمانهم} ذكر الله لهم جزاءين أولهما – أنهم بسبب الإيمان والعمل الصالح يهديهم ربهم إلى الحق دائما فلا تغمرهم الشهوات ولا يرتعون في المفاسد ؛ لأن الإيمان نور في قلب المؤمن ، به لا يفكر إلا في الحق ، ولا يقول إلا الحق ، ولا يعمل إلا الحق وسيره بين الناس لا يكون إلا بالحق ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم"{[1294]} ذلك أن النور يهدي فيزداد المؤمن بإيمانه إيمانا .
والعمل السيئ تظلم به النفس فتضل ، تبدأ في طريق الضلالة وتنتهي إلى الضلال البعيد ، وقال صلى الله عليه وسلم:"يتلقى المؤمنعمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ، ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله"{[1295]} ، وفي قوله تعالى:{ يهديهم ربهم بإيمانهم}إشارتان:
أولاهما- أن ذلك من الربوبية فهو يربي نفوس المؤمنين بما يهيئها للخير والحق دائما ، كما قال تعالى:{ ونفس ما سواها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8}( الشمس ) ، فإذا ألهمت التقوى سارت في طريقها تبلغ غايته ، وهذا أمر معنوي تطيب به النفوس المؤمنة وترضاه وتطمئن به .
ثانيتهما- جزاء مادي في اليوم الآخر ، وهو روح وريحان{ تجري من تحتهم الأنهار} أي أنهم يدخلون الجنة تجري من تحتها الأنهار .
وهنا إشارتان بيانيتنا:
الأولى- أنه إذا كان ثمة جزاءان فإنه يعطف بينهما بالواو ولكن لا عطف ، وذكر منفصلين فما حكمة ذلك ؟ نجيب قائلين:إن الانفصال هو الأولى ؛ لأن زيادة الإيمان في الدنيا وجريان الأنهار تحت الجنان في الآخرة . هو جزاء للأول وثمرة له فكان مقتضى ذلك أن يذكر منفصلا عنه ، وتجري من تحتهم هو جريانها من تحت المستقر الذي استقروا عليه تعطيهم منظرا يسر الناظرين وتنعم به النفس والقلب والعين ، وتكون الراحة الخالدة .
الثانية- أنه سبحانه قدم جريان الأنهار من تحتهم على جنة النعيم ، للمبادرة بذكر المتعة النفسية والروحية ، ولبيان أنها تحتهم هم ، وذكر بعد ذلك أن هذا في جنات النعيم ، أي في الجنات التي خصصت للنعيم أو هي النعيم ذاته ، وفي قوله تعالى:{ يهديهم ربهم بإيمانهم} اقتصرت الهداية على أنها بالإيمان مع أنه ذكر الإيمان والعمل الصالح ، فلماذا اختص الإيمان بالذكر هنا ؟ نقول عن ذلك أمرين:
أولهما – أن العمل الصالح ثمرة من ثمرات الإيمان الذي هو النور الهادي والمصباح المضيء فذكر الإيمان استتبع ذكر ما هو أثر له .
ثانيهما – أن الإيمان وحده هو الذي يهدي .