{ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير 11} .
إن الصبر وضبط النفس كريمان متلازمان ، بل إن ضبط النفس شعبة من شعب الصبر الثلاث:
الشعبة الأولى:تحمل المشاق النفسية والبدنية ، ومن المشاق النفسية المحن والنعم ، ويكون تحمل المحن بتلقيها من غير تململ ولا تزلزل ، أما النعم فيتلقاها بالشكر والصبر على القيام بحقها .
الشعبة الثانية:تكون بعدم الأنين أو الشكوى والضجر ، وهذا هو الصبر الجميل الذي التزمه يعقوب عليه السلام .
الشعبة الثالثة:هي رجاء زوال ما يمتحنه به الله تعالى ، فلا ييأس من رحمة الله ولا يكفر بنعمه وألا تغريه نعمة الله بالكبر والبطر .
وإن ضبط النفس يكون في مطوى هذه الشعب ، فلا تكون نفس الصابر رعناء تبئسها الشدة وتقرها النعمة فيكون في اضطراب مستمر ، وهوج في النعم والنقم .
وقد استثنى الله تعالى الصابرين ، وذكر في أوصافهم العمل الصالح{ وعملوا الصالحات} ، أي عملوا كل شيء فيه صلاح أنفسهم وجماعتهم ، وصلاح دينهم الذي هو عصمة أمرهم ، وإن اقتران العمل الصالح بالصبر يدل:
أولا:على أن العمل الصالح يقتضي صبرا على الاستمرار فلا بد أن يكون مستمرا دائما ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"{[1309]} ، كما أنه قال:"إن الله يحب الديمة في الأعمال"{[1310]} .
ثانيا:يدل اقتران العمل الصالح بالصبر على أن العمل الصالح يحتاج إلى تحمل بعض المشاق ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن"{[1311]} .
وقد بين سبحانه وتعالى جزاء الصابرين العاملين فقال:{ أولئك لهم مغفرة وأجر كبير} الإشارة إلى أن الجزاء مغفرة ، إذ إن الله يستر ما لهم من أعمال غير مقبولة بغفرانه ؛ لأن الصبر والعمل الصالح يستران بذاتهما العمل غير الصالح بأمر الله تعالى:{. . . .إن الحسنات يذهبن السيئات . . .114} ، وبعد هذه المغفرة الساترة يكون الأجر الكبير الذي هو عظيم في ذاته وبلغ قدرا لا يدرك كنهه إلا الله معطيه .
وإذا كان للصبر هذه المنزلة ، فأول أوصاف النبيين الصبر ، الصبر في سبيل الدعوة والاستمرار في التبليغ ، والصبر على الأذى والتحديات الآفنة{[1312]} والمطالب الجائرة والحائرة ، ولذلك قال تعالى: