الصابر لا يطغيه الربح ولا تصرعه الخسارة
ولكن هناك نوعاً آخر من البشر ،يملك الإيمان إلى جانب العقل ،والتركيز إلى جانب العلم ،فهو يفهم الحياة كنوعٍ من الانفتاح والوعي والواقعية ،وبذلك ،فإنه يستطيع الوقوف بعيداً عن الاهتزاز ليثبت على الأرض الصلبة ،المتصلة بالعمق الأعمق من قوّة الحياة في الإيمان ..وهؤلاء هم المؤمنون الصابرون ،الذين انفتحوا على الصبر من خلال الإيمان ،وارتبطوا بالإيمان من خلال مواقع الصبر ،والتزموا بخط العمل الصالح ،على أساس ذلك كله .
{إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ} ففهموا سرّ الحياة من خلال الهدوء الذي يصنعه الصبر الإيجابي في داخل الشخصية ،وفي رؤيتهم أنّ الحياة بكل مظاهرها المفرحة والمحزنة ،خاضعة لعوامل وأسباب طبيعية أودعها الله في سننه الكونية ،فإذا جاء الخير ،فإن معنى ذلك أن أسبابه متوفرة ،وإذا جاء الشر كان معناه ،أن الإمكانات لا تسمح بولادة الخير في الحياة وفي الإنسان ،تماماً كما يجيء الليل وهو يحدّق بالنهار ،أو يشرق النهار وهو يحمل في داخله تهاويل قدوم الليل ،فلا مشكلة مطلقةٌ هنا ،ولا حلٌّ مطلقٌ هناك .بل هناك الواقعية الصافية التي تواجه الأرباح بصبر ،فلا يطغيها الربح ،كما تواجه الخسائر بصبر ،فلا تصرعها الخسارة ،وهؤلاء هم الذين صبروا ولم يتزلزلوا ،بل ثبتوا أمام المتغيّرات في الحياة ،واعتبروها مسؤوليّةً محدّدةً سواء تعلقت بحياتهم الشخصية ،أم بحياة الناس العامة ،وهذا ما عاشوه عندما صبروا وتحمّلوا نتائج المسؤولية{وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} فجزاهم الله عن ذلك خيراً كثيراً ،ورفع درجتهم عنده ،لأنهم أخلصوا له العبوديّة بالقول والعمل ،{أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ،وتلك هي نهاية الصابرين العاملين الصالحين .