{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون 23} .
بعد أن بين سبحانه وتعالى حال الذين كفروا في الدنيا وفي الآخرة ، وأنه في الدنيا غرور بها وزينتها ، وفي الآخرة خسران مبين وشقاء جحيم ، بين سبحانه حال المؤمنين فقال:{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم} ، ذكر سبحانه وتعالى لهم أعمالا ثلاثة:
أولها:الإيمان الذي يقذفه الله في قلب المؤمن فيخضع للحق ويذعن له وإن القلب إذا أشرق بالإيمان واستضاء به كانت الحكمة والاستقامة في القول والعمل فلا يكون منه إلا الخير والإذعان للحق .
والثانية:العمل الصالح وهو ثمرة الإيمان وأن الإيمان إن لم يصاحبه العمل كان ذلك نقصا في الإذعان ، فإن الإخلاص يتولد عنه الحكمة التي يتولد عنها القول الطيب والعمل الطيب .
والحال الثالثة:هي الإخبات إلى الله ، والإخبات هو الاطمئنان ، والكلمة مثل للأرض والخبث ، وهي الأرض المصمتة{[1314]} السهلة ، والاطمئنان إلى الله يتضمن تصديق ما وعد ، والخضوع لما أمر ونهى ، وقال تعالى:{ إلى ربهم} لما يفيده معنى الربوبية والخلق والقيام على حفظهم وتربيتهم وما يترتب على ذلك من الاطمئنان والخضوع وعدم التمرد عليه سبحانه والخروج عن طاعته .
وقد أكد سبحانه هذه الأحوال ب{ إن} المؤكدة ، وذكره بالاسم الموصول للدلالة على أنه سبب الجزاء الذي يعطيهم ربهم ، والثناء الذي أضفاه عليهم خالقهم .
ثم ذكر بعد ذلك جزاءهم فقالت تعالت كلماته:{ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} ، وإن الإشارة إلى صفاتهم من إيمان وعمل صالح وإخبات إلى ربهم إيضاح إلى أنها سبب ذلك الجزاء العظيم ، وقد أكد سبحانه وتعالى جزاءهم بأنهم ملازمون للجنة ، وأنهم أصحابها الذين لهم اختصاص يشبه ملك المالك لما يملك وأكد أيضا بضمير الموصول فقال:{ هم فيها خالدون} .
هذا مكان الذين آمنوا ، وذلك مهوى الذين يصدون عن سبيل الله ، وقد وازن سبحانه وتعالى بين الفريقين فقال تعالت كلماته: