{ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير 3} .
( الواو ) عاطفة على قوله تعالى:{ ألا تعبدوا إلا الله} ولتضمنها معنى الأمر ، وإن كانت للحكاية ، ولكن لأنها غاية أحكام الآيات وتفصيلها ، وكون النبي صلى الله عليه وسلم له الإنذار المؤكد ، والبشارة كانت في معنى الطلب بدليل الإنذار والتبشير ، إذ لا بد أن يسبقها الطلب ، ولذا جاء عطف الطلب .
كلمة{ وأن} في قوله تعالى:{ وأن استغفروا ربكم} ، يصح أن نقول إنها تفسيرية ، ويصح أن تكون مصدرية . والاستغفار طلب المغفرة ، والخطاب لقوم مشركين فطلب إليهم أولا الإقلاع عن عبادة الأوثان ، ثم الاستغفار ، وطلب عفو الله فيما ارتكبوا من آثام في حقه سبحانه ، ثم يكون بعد ذلك الرجوع إلى الله والعيش في رحابه ، وذلك بالتوبة إليه . كأن الاستعفار هو الدخول إلى الوحدانية مع طلب عفو الله ومغفرته ، ولهذا قدم الاستغفار على التوبة ؛ لأن الاستغفار كان عن الشرك وما اتصل به من جحود وعناد ، والتوبة الرجوع إلى الله وطاعته فيما أمر ونهى . والتعبير بكلمة{ ثم} الدالة على الترتيب والتراخي للدلالة على البعد بين المقامين ، مقام الاستغفار عن الشرك ومقام التوبة ، فالتوبة ذاتها عبادة ، ولا تراخي في الزمن بل الزمن واحد ولكن البعد في الرتبة . وفي قوله تعالى:{ استغفروا ربكم} معنى قرب الله تعالىمن العبد لانه ربه الذي برأه ورباه وقام على تدبير حياته وحياة ما حوله .
{ ثم توبوا إليه} أي عودوا بالتوبة إليه سبحانه ؛ لأن العبد بالشرك يبعد عن الله بعد أن خلقه حنيفا ، وبالتوبة عاد إلى ما ابتدأ وهو القرب من الله .
و{ توبوا} فعل أمر له جواب كجواب الشرط ؛ وقوله تعالى:{ يمتعكم متاعا إلى أجل مسمى} أي إن تتوبوا بعد أن تستغفروا يكن الجزاء أن يمتعكم متاعا حسنا ، أي يمكنكم من أن تتمتعوا متاعا حسنا . والمتاع الحسن هو المتاع الحلال الذي يكون من مكسب حلال وفي حلال كالرجل مع زوجته ، والمتاع الحسن مادي كالذي أشرنا إليه ، ومعنوي وهو الاطمئنان إلى الحق ، والقرار ، وعدم الظلم ، والرضا والقناعة ، والاستمساك بالفضائل ، والبعد عن الرذائل ، والسكون إلى جانب الله ، ولقد قال تعالى:{ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة . . .97}( النحل ) . وأن هذه المتعة التي تعم المجتمع الفاضل هي إلى أجل مسمى وهو الحياة الدنيا .
{ ويؤت كل ذي فضل فضله}هذا الإيتاء في الدنيا والآخرة .
أما في الدنيا فإنه يتكون مجتمع فاضل كريم حيث يكون كل ذي فضل في مكانته ، فيعطى حقه غير منقوص ، ويتمتع الجميع بمتاع حسن وتكون الحقوق قائمة أدبية ومادية ، فالمجتمعات التي لا تظلها الفضيلة لا تعرف فيها قيم الأفاضل وتضطرب الموازين اضطرابا شديدا بل تنقلب للرجال والأعمال معا .
وأما في الآخرة يؤتى ذو الفضل فضله بالنعيم المقيم والرضوان من رب العالمين وهو الجزاء الأكبر . وفي قوله تعالى:{ ويؤت كل ذي فضل فضله} معناه جزاء فضله ولم تذكر كلمة الجزاء ، وإن قدرت في مطوى الكلام ، للإشارة إلى أن الجزاء مساو للفضل تماما حتى كأنه هو ، فالله تعالى عادل حكيم . وفي مقابل جزاء الذين يحسنون قال تعالى مهددا من يعرضون:{ وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} تولوا أصلها تتولوا وحذفت التاء لتوالي التاءات وذلك كثير في العربية وفي القرآن الكريم ، ويكون خطابا للمخاطبين في قوله تعالى{ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} ولكن من الذي يخاطبهم ، أهو الله تعالى أم نبيه صلى الله عليه وسلم ، والله جل جلاله لا ينسب له الخوف{ فإني أخاف عليكم} فيكون أليق بالنبي صلى الله عليه وسلم على أساس بشارته وإنذاره . الكلمات إنذار للذين يعرضون وينصرفون عن كلام الله وهو محل خوفممنارسله هاديا ومبشراونذيرا وقد اكد الله تعالى الخوف عليهم بالجملة الاسمية وبكلمة{ إن} ، وقوله تعالى:{ عذاب يوم كبير} الكبر وصف لليوم ، وكبره لأن فيه أهوالا شديدة ولأنه يوم الشدة يحس الإنسان بطوله كما أنه في ذاته كبير فيه الحساب والثواب والعقاب .