( حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل40} .
أمر الله تعالى هو الأمر الكوني وهو الغرق ، والنجاة لمن نجا عليها ،{ وفار التنور} ، التنور مكان النار ، وقالوا في تصوير ذلك إ ن كل جزء من الأرض صار فيه تنور يفور منه الماء وكانت المعجزة أن يخرج الماء من التنور ويصير غرقا .
وعلى ذلك يكون التنور في الأرض يكون منه الغرق ، وليس التنور في السفينة أي أن التنور لما فار ووجدت أسباب الغرق أمر الله نوحا وقد استعدت السفينة للسير أن يحمل فيها من كل وحي زوجين اثنين ليكون التوالد في الحيوان والنبات بشكل عام .
وقد عرض لي خاطر أذكره وهو أن التنور في السفينة ، وأنه فار وخرج منه بخار حرك السفينة للسير ، فهي قد سارت بالبخار لا بالتجديف أو الرياح ، إذ لم يذكر هنا ولكن ذكر فقط التنور وفورانه . وقد يقال أن البخار لم يكن قد اخترع ، وما اكتشف إلا في القرن التاسع عشر ، حيث سارت به القطر والسفن .
نقول في الجواب على ذلك بأن صنع السفينة قال فيه الله تعالى:
{ واصنع الفلك بأعيينا ووحينا} فالسفينة كانت تصنع تحت رعاية الله ووحيه فهل يعجز سبحانه عن تسييرها بالبخار الذي جعل سبحانه العقل البشري يتوصل إليه بعد ألوف السنين ، إن هذا هو ظاهر الآية .
أولا:لأن ظاهر الآية يدل على أن ذلك كان عند تمام صنعها .
ثانيا:أنه جاء مقترنا للأمر بحمل زوجين اثنين من كل الأحياء .
ثالثا:أنه لم يكن ثمة ذكر للأرض ولكن ذكر للسفينة ، فالتنور فيها ، وليس معنى ذلك بالفعل أن السفينة فارت بالماء المغرق ، إنما فارت بالماء المسير .
إن ذلك الخاطر استمر يطرق أبواب التفكير حتى آمنا به ، والله أعلم بالصواب . بعد أن أعدت السفينة تحت رعاية الله وكلاءته ، وصنعت بوحي في تركيبها جزءا جزءا ، وما كان نوح صانع سفن ، ولكن كان نبيا مرسلا موحى إليه ، فكانت صناعتها معجزة ، وإغراقهم معجزة ، ونجاة من نجا معجزة وكل ذلك صار مرئيا للعيان .
حمل نوح عليه السلام . من كل زوجيناثنين وحمل أهله ، إلا من سبق عليه القول منهم وهو ابنه ، وحمل من آمن ، وذكر سبحانه أن الذين آمنوا كانوا عددا قليلا .
وقد ذكر في الأخبار أن السفينة كانت ضخمة كأنها مدينة تسير في البحر ، وروى أن طولها مائتا ذراعا وألف ، وعرضها ستمائة ذراعا وارتفاعها ثلاثون ، والله أعلم ، وبعد صنعها أمر نوح بتكليف من ربه بأن يركبوا .