وقوله تعالى:
/ [ 40]{ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل 40} .
{ حتى إذا جاء أمرنا} أي بإهلاك قومه .و ( حتى ) غاية لقوله{ ويصنع} وما بينهما حال من الضمير فيه ،و{ سخروا منه} جواب{ كلما} .{ وفار التنور} أي وجه الأرض أو كل مفجر ماء ،أو محفل ماء الوادي ،أو عين ماء معروفة ،أو الكانون الذي يخبز فيه ،أو تنوير الفجرأقوال حكاها اللغويون والمفسرونزاد بعضهم احتمال أن يكون هذا كناية عن اشتداد الأمر ،كما يقال:( حمي الوطيس ) والوطيس التنور ،وهو من فصيح الكلام وبليغه ،وعندي أنه أظهر الأوجه المذكورة وأرقها وأبدعها وأبلغها ،وإن حاول الرازي رده ،كأنه قيل:واشتد الأمر ،وقوي انهمار الماء ونبوعه .وهذا الإيجاز في مجازه الرهيب ،قد بينته آيات أخر ،وهي{[4829]}:{ ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ...} الآيات - ومما يؤيده شموله لشدة الأمر من السماء والأرض ،فيطابق هذه الآيات .وأما غيره فمقصور على ناحية الأرض فقط .وجليّ أن الأمر كان أعم - والله أعلم - .
{ قلنا احمل فيها} أي في السفينة{ من كل زوجين} أي صنفين من البهائم والطيور وما يدب على وجه الأرض{ اثنين} أي ذكرا وأنثى .
قال أبو البقاء:يقرأ{ كل} بالإضافة ،وفيه وجهان:
أحدهماأن مفعول{ احمل} و{ اثنين} و{ من} حال .
والثانيأن{ من} زائدة ،والمفعول{ كل} ،و{ اثنين} توكيد .ويقرأ من / كل ( بالتنوين ) ،ف{ زوجين} مفعول{ احمل} ،و{ اثنين} توكيد له ،و{ من} متعلقة ب{ احمل} أو حال .انتهى .
{ وأهلك} أي من يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك ،{ إلا من سبق عليه} أي وجب عليه{ القول} أي بالإغراق بسبب ظلمه ،{ ومن آمن} أي احمله معك فيها .
قال أبو السعود:وإفراد الأهل منهم للاستثناء المذكور ،وإيثار صيغة الإفراد في{ آمن} محافظة على لفظ ( من ) للإيذان بقلتهم ،كما أعرب عنه قوله ،عز قائلا:{ وما آمن معه إلا قليل} .