قوله تعالى:{حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل}{حتى} ،للغاية التي يبدأ بعدها الكلام .يعني: فكان يصنع الفلك إلى أن جاء الوعد بالتغريق{[2090]} ؛أي حتى إذا جاء وعد الله بالعذاب{وفار التنور} وقد اختلفوا في تأويل التنور على عدة أقوال منها: أنه وجه الأرض والعرب تسمي وجه الأرض تنورا .وهو قول علي كرم الله وجهه{[2091]} .
ومنها: أنه أعالي الأرض والمواضع المرتفعة منها .
ومنها: أنه تنور الخبز ؛فقد صارت الأرض عيونا تتدفق منها المياه حتى صارت التنانير التي هي مكان النار تفور ماء .وذلك لفظاعة الطوفان الدافق الجارف الذي أتى على الحياة والأحياء جميعا فلم يستبق غير الذين على ظهر السفينة ؛لقد أتى الماء على كل شيء وأغرق كل مكان حتى التنانير التي تتأرجج فيها النار وتضطرم فارت ماء .
قوله:{قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك}{اثنين} في محل نصب مفعول للفعل{احمل} ،و{أهلك} معطوف عليه{[2092]} .
والزوج كل واحد معه أخر من جنسه ؛فالسماء زوج ،والأرض زوج ،والشتاء زوج ،والصيف زوج ،والنهار زوج ،والليل زوج ،ونقول للمرأة هي زوج ،وهو زوجها .لقوله تعالى:{وخلق منها زوجها} يعني المرأة .وقوله:{وانه خلق الزوجين الذكر والأنثى} فثبت بذلك أن الواحد قد يقال له: زوج .ويقال للاثنين أيضا: هما زوجان وهما زوج .وقد يكون معنى الزوجين الضربين أو الصنفين .وكل ضرب يسمى زوجا .
والمراد هنا: أن يحمل معه في السفينة{من كل زوجين} ذكرا وأنثى .قال الرازي في ذلك: الزوجان عبارة عن كل شيئين يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى .والتقدير: كل شيئين هما كذلك فاحمل منهما في السفينة اثنين .واحد ذكر والآخر أنثى .وذلك لكي يبقى أصل الأنواع بعد الطوفان .
قوله:{وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن}{وأهلك} ،معطوف على{اثنين} .و{من سبق} ،في موضع نصب مستثنى من{وأهلك}{[2093]} أي واحمل في السفينة أهلك{إلا من سبق عليه القول} يعني إلا من سبق فيه علم الله أنه يختار الكفر بإرادة الله وتقديره فيكون من الهالكين .
قوله:{ومن آمن} معطوف على{أهلك} .أي واحمل في السفينة من آمن من قومك .
قوله:{وما آمن معه إلا قليل} وقد اختلفوا في عدتهم فقيل: كانوا سبعة ،وقيل: كانوا عشرة ،وقيل: كانوا اثنين وسبعين .وقيل: كانوا ثمانين إنسانا ،منهم ثلاثة من بنيه وهم سام ،وحام ،ويافث ،وزوجاتهم .وقيل غير ذلك{[2094]} .