{ لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} .
التأويل هنا معرفة حقيقة الطعام ، ومآله ، وقال ليس ذلك بإعلام أحد ، إنما هو من تعليم الله تعالى ، ولذا قال:{ ذلكما مما علمني ربي} ، وإن ذلك إخبار بالغيب بتعليم الله تعالى ، وليس من ذاته ، وإنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وما يعطيه الله تعالى ، كما أعطى عيسى ابن مريم ، إذ كان ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، وكان ذلك بعد يوسف بعشرات القرون .
وإن هذا يدل على أن الله تعالى قد بعثه نبيا على ملة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وقد كان قد بلغ أشده ليتحمل الرسالة ، لقد تلونا من قبل قوله تعالى:{ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين22} والنبوة هي الحكم والعلم .
قبل أن يؤول تقدم بالنبوة ، ودعا إلى إبطال الشرك وإنكار البعث ، وابتدأ الدعوة النبوية بأن ذكر نفسه قدوة لهم ، فقال:{ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون} ، وقد وصفهم بحالين سلبيتين إحداهما:أنهم لا يؤمنون بالله ، بل يعبدون الأوثان ، والثانية:أنهم يكفرون بالعبث ، وأكد كفرهم بالبعث بتقديم( الآخرة ) ، على الكفر ، وذلك لمزيد الاهتمام بالكفر بالآخرة ، وبتكرار{ هم} ، وكان التأكيد لغرابته عند أهل العقول المدركة ، فالعقل يوجب الإيمان بالآخرة ، لأن الله تعالى لم يخلق الإنسان سدى ، ولأن فيه سلوان لمن لا يدرك حظه في الدنيا ، ولأنه يتفق مع العلو الإنساني .
بين أنه ترك أن يكون من ملة هؤلاء المشركين الكافرين باليوم الآخر ، وبين بعد ذلك أنه لم يكن سلبيا ، بل كان إيجابيا ، ولذا قال: