{قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا} لقد سألاه عن تفسير ما رأياه من الحلم فأجابهما بأنه يملك أن يخبرهما بما سيأتيهما من طعام ،قبل إتيانهما به ،لأن الله أمدّه بمعرفة بعض جوانب الغيب ،وربما كان السبب في ذلك أنه يريد أن يؤكد لهما سعة المعرفة التي يملكها ،كوسيلة من وسائل تعميق ثقتهما بشخصيته للتأثير عليهما وعلى قناعتهما الفكرية ،لأن معرفته تلك ينبغي أن تمنحهما الثقة بالطاقة الروحية المميّزة التي توحي لهما بضرورة الاهتداء بهديه ،والانسجام مع دعوته ومنهجه في الحياة ،لا سيما وأنه يتصلفي ذلك كلهبالله من أقرب طريق .{بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} مما يعلّم به عباده الذين يُعدّهم لرسالته ،فيلهمهم علم ما لم يعلمه الناس ويزيدهم معرفةً تجعلهم في مواقع القيادة والتوجيه ،وذلك بعد أن يطّلع على قلوبهم فيجد فيهم صدق الإيمان به ،والإخلاص له ،وعمق المعرفة به ،ورفض كل شريك له .
{إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخرةِ} وانفصلت عن كل الأفكار التي يرتبطون بها ،والمفاهيم التي يحملونها ،والأوضاع التي يعيشونها لأن قضية الإيمان بالله واليوم الآخر ليست حالةً شعوريةً طارئةً تتمايز بها المشاعر الذاتية فقط ،بل هي قاعدة للفكر وللحياة ،لارتكازها على أسس العقيدة والشريعة والأخلاق ،فهناك خطّان لحركة الإنسان في الحياة ،لا يلتقيان في أيّ موقعٍ ،خط الإيمان بالله واليوم الآخر ،وخط الإلحاد أو الشرك به ،فلكل واحد منهما منهجٌ للوعي وللسلوك وللعاطفة ،وهذا ما جعلني أعيش الانفصال عن هذا المجتمع الذي اختار الابتعاد عن خط الإيمان بالله واليوم الآخر ،والاقتراب من خط الكفر ،{هُمْ كَافِرُونَ} ولا يمكن للمؤمن أن يلتقي بالكفر في طريق ،