/م36
{ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه} وهو ما لا تدرون من حيث لا تدرون ، وإني وإياكم في هذا السجن لمحجوبون{ إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} أي أخبرتكما به وهو عند أهله وبما يريدون من إرساله وما ينتهي إليه بعد وصوله إليكما:أنبئكما بكل هذا من شأن هذا الطعام قبل أن يأتيكما ، روي أن رجال الدولة كانوا يرسلون إلى المجرمين أو المتهمين طعاما مسموما يقتلونهم به وأن يوسف أراد غذاء ، وما قلته يشمل هذا إذا صح ، وهو ما يفهم من تسمية إنبائهما به تأويلا ، فإن التأويل الإخبار بما يؤول إليه الشيء ، وهو ما يفهم من تسمية إنبائهما به تأويلا ، فإن التأويل الإخبار بما يؤول إليه الشيء وهو فرع معرفته ، ولذلك قال بعضهم:إنه سماه تأويلا من باب المشاكلة لما سألاه عنه من تأويل رؤاهما ، وقال بعضهم:إن المراد لا تريان في النوم طعاما يأتيكما إلا نبأتكما بتأويله ، وهو بعيد .وفسر الزمخشري ومن قلده تأويله [ ببيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل والإعراب عن معناه] اه وهو تكلف سرى إليه من مفهوم التأويل في اصطلاح علماء الكلام وأصول الفقه لا من صميم اللغة .
{ ذلكما مما علمني ربي} أي ذلك الذي أنبئكما به بعض ما علمني ربي بوحي منه إلي ، لا بكهانة ولا عرافة ولا تنجيم ، ولا ما يشبهما من طرق صناعية أو تعليم بشري يلتبس به الحق بالباطل ، ويشتبه الصواب بالخطأ ، فهو آية له كقول عيسى لبني إسرائيل من بعده{ وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم} [ آل عمران:49]{ إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله} خالق السماوات والأرض وما بينهما كما يجب له من التوحيد والتنزيه ، أي تركت دخولها وإتباع أهلها من عابدي الأوثان المنتحلة على كثرة أهلها ودعوتهم إليها ، وليس المعنى أنه كان متبعا لها ثم تركها ، فقوله تعالى:{ أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [ القيامة:36] أي بعد موته فلا يبعث ، ليس معناه أنه كان سدى قبله ، فترك الشيء يصدق بعدم ملابسته مطلقا ، وبالتحول عنه بعد التلبس به ، ويفرق بينهما بقرينة الحال أو المقال أو كليهما كما هنا .
والمتبادر أنه أراد بهؤلاء القوم الكنعانيين وغيرهم من سكان أرض الميعاد التي نشأ فيها ، والمصريين الذين هو فيهم وبينهم فإنهم اتخذوا من دون الله آلهة معروفة في التاريخ أعظمها الشمس واسمها عندهم [ رع] ومنها فراعنتهم والنيل وعجلهم [ أبيس] وإنما كان التوحيد خاصا بحكمائهم وعلمائهم .
{ وهم بالآخرة هم كافرون} أي وهم الآن يكفرون بالمعنى الصحيح للآخرة فإن المصريين وإن كانوا يؤمنون بالآخرة والحساب والجزاء الذي دعا إليه الأنبياء إلا أنه فشا فيهم تصوير هذا الإيمان بصور مبتدعة ، ومنها أن فراعنتهم يعودون إلى الحياة الأخرى بأجسادهم المحنطة ، ويعود لهم السلطان والحكم ، ولهذا كانوا يدفنون أو يضعون معهم جواهرهم وغيرها ، ويبنون الأهرام لحفظ جثثهم وما معها ، ولعله لهذا أكد الحكم بالكفر بها بإعادة الضمير"هم "ليبين أن إيمانهم بالآخرة على غير الوجه الذي جاءت به الرسل ، فهو غير صحيح .