في البداية ،ومن أجل أن يستلفت اهتمامهما واعتمادهما على معرفته بتأويل الأحلام الذي كان مثار اهتمامهما وتوجّههما ( قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلاّ نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ) .
وبهذا فقد طمأنهما أنّهما سيجدان ضالّتهما قبل وصول الطعام إليهما .
وهناك احتمالات كثيرة في هذه الجملة بين المفسّرين ،من جملتها: إنّ يوسف قال: أنا بأمر الله مطّلع على بعض الأسرار ،لا إني أستطيع تعبير الأحلام فحسب ،بل أنا أستطيع حتّى إخباركم بما سيأتيكم من الطعام وما نوعه وبأي صورة وأي خصوصية !.
فعلى هذا يكون التأويل بمعنى ذكر خصوصيات ذلك الطعام ،وإن كان التأويل قليل الاستعمال في مثل هذا المعنى طبعاً ،ولا سيّما أنّه ورد في الجملة السابقة بمعنى تعبير الرؤيا .
والاحتمال الآخر من مقصود يوسف هو: إنّ أي نوع من الطعام ترونه في النوم فأنا أعرف ما تأويله ( ولكن هذا الاحتمال لا ينسجم مع الجملة السابقة ) ( قبل أن يأتيكما ) .
فعلى هذا يكون أحسن التفاسير للجملة المتقدّمة ،هو التّفسير الأوّل الذي ذكرناه في بداية الحديث .
ثمّ إنّ يوسف أضاف إلى كلامه مقروناً بالإيمان بالله والتوحيد الجاري بجميع أبعاده في أعماق وجوده ،ليبيّن بوضوح أن لا شيء يتحقّق إلاّ بإرادة الله قائلا: ( ذلكما ممّا علّمني ربّي ) ولئلاّ يتصوّر أنّ الله يمنح مثل هذه الأُمور دون حساب ،قال ( إنّي تركت ملّة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون ) .
والمقصود بهذه الملّة أو الجماعة هم عبدة الأصنام بمصر أو عبدة الأصنام من كنعان .