وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم84 قالوا تالله تفتؤوا تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين 85 قال إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون 86 يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون87
زاد أباهم حزن إلى حزنه ، لما عادوا إلى أبيهم من غير ابنه ، فنكئوا جرحه القديم على يوسف ، ولقد صور الله تعالى حاله عندما أنهوا إليه خبر ولده الثاني فقال تعالت كلماته:{ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم 84}أعرض عنهم ؛ لأن إخبار أخبار السوء ، تضر ولا تسر ، فانكفأ على نفسه ، والأسف الحزين الذي يملأ نفسه الحزن ، ويستغرق حسه ، وهو يقول{ يا أسفى على يوسف} ، وهي جملة تصور ألمه وحزنه ، وكأنه ينادي الأسف والحزن ؛ لأن هذا وقته ، وذكر يوسف مع أنه رزئ رزءا جديدا بولديه شقيق يوسف وولده الأكبر الذي كان يشاركه في أحزانه وآلامه ، وذلك لأن أمرهما معلوم ، فهو يعلم أنهما على قيد الحياة ، وأن أحدهما في الرق ، والآخر قد رضي مختارا بالعبد ، ويشاركه في الأسف ، أما يوسف الحبيب فأمره مجهول لا يدري أهو حي أو ميت ، وأهو في تعب أم في راحة فرزؤه في يوسف كان عاقده المصائب ، وكان غضبه آخذا بمجامع قلبه ، كما عبر البيضاوي{[1335]} .
وقد اجتمع طول الأدهر التي مرت على يعقوب غربة ولده التي لا يعلم له مآل وقلق مستمر ، وحنان وشوق شديد إلى رؤيته وبكاء مستمر ، دائب ، وحزن عميق مؤسف ، وانقسام بين أحبابه وفلذة كبده ، وكل هذه الآلام أثرت في بصره ، ولذا قال تعالى:{ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} أي طوى نفسه على آلام مستمرة من أولاده الذين كادوا لأخويهم ، ومن الحوادث التي باعدت بينه وبين أحبابه ، وكظم الغيظ في ذاته ممض ، وملق بالبؤس في نفسه ، لولا ما امتلأ قلبه بالإيمان ، ولولا الرجاء الذي يرجوه ، والأمل الذي عاش عليه ، والكظم أصله كضم البعير إذا رادها من فرقه .
أجابه أولاده في ذكر آلامه المستمرة