الوصف الثاني والثالث والرابع من أوصاف الإيمان:
قال تعالى فيه:{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ( 21 )} .
وذكر الله تعالى لهم ثلاثة أوصاف:وصف يتعلق بالصلاة الاجتماعية التي بها يقوم بناء اجتماعي سليم يبتدئ من الأسرة بمعناها الممتد الذي يشمل القرابة جميعها قريبة كانت أم بعيدة ، ويشمل المجتمع الصغير ، ومجتمع المدينة ، ثم الدولة ، ثم المجتمع الإنساني ، وهذا هو الوصف الأول{ الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} ، والوصف الثاني نفسي ، وهو أساس البناء الاجتماعي الفاضل ، ورمز الله تعالى إليه بقوله تعالت كلماته:{ ويخشون ربهم} ، أي يخافون الله تعالى في كل عمل يعملونه ، فلا يطغون ، ولا يظلمون ، ولا ينقصون الناس حقوقهم ، فمن خشى الله تعالى يتذكره في كل عمل يعمله في ذات نفسه ، وفي أهله وبينه وبين الناس .
والوصف الثالث:الإيمان بأنه يحاسب عليه ، وقد ذكره سبحانه بقوله تعالى:{ ويخافون سوء الحساب} ، وخوف الحساب يتضمن الإيمان بالبعث والنشور ، ولقاء الله تعالى يوم القيامة أولا ، وأنه سيحاسب على ما كان في الدنيا ثانيا . ويتضمن ترجيح الخوف على الرجاء ، وأنه يخشى السوء قبل أن يرجو الثواب . ثالثا:فهو يستقل ما قدمه من خير ، ويستكثر دائما ما وقع فيه من هفوات ، وهذا شأن الأبرار ، يستقلون ما يفعلون من خير ، ويستكثرون ما يقع منهم من هفوات .
ولنذكر كلمات موجزة عن هذه الصفات الثلاث:
فأما الأولى ، فهي:أن يصلوا ما أمر الله به أن يوصل ، فنقول:إن ما أمر الله به أن يوصل هو ما يتعلق ببناء المجتمع على المودة والرحمة ، فيصل قرابته القريبة والبعيدة ، فقد أمر سبحانه وتعالى بصلة الرحم ، فقال:{. . . وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض . . . ( 75 )} [ الأنفال] ، وأمر على لسان رسوله بصلة الأرحام في أكثر من حديث ، وأمر بالصلة بين الناس بالتعاون فيما بينهم على الخير ، فقال تعالى:{. . . وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان . . . .( 2 )} [ المائدة] ، ودعا إلى إقراء السلام على من عرفت ومن لم تعرف ، وأمر بإغاثة المستغيث ، وفك كرب المكروبين . فكل هذه صلات قد أمر الله تعالى بوصلها . ولقد جاء في الكشاف للزمخشري ما نصه:ما أمر الله به أن يوصل من الأرحام والقرابات ، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان{ إنما المؤمنون إخوة . . . .( 10 )} [ الحجرات] ، وقرابة المؤمنين الثابتة حسب الطاقة ، ونصرتهم ، والذب عنهم ، والشفقة عليهم ، والنصيحة لهم وطرح التفرقة بين أنفسهم ، وإفشاء السلام عليهم ، وعيادة مرضاهم ، وشهود جنائزهم ، ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر ){[1351]} .
وهكذا نجد من الأمر بأن يصل ما أمر الله به أن يوصل ، أن يعملوا على رأب الصدع وجمع الوحدة ، وإزالة الفرقة ، وأن يحسنوا إلى الضعفاء والمساكين ، وقد روى ابن كثير عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:قال:"هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟ قالوا:الله ورسوله أعلم . قال:أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره ، لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله تعالى لمن يشاء من الملائكة:إيتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة:نحن سكان سمائك ، وخيرتك من خلقك ، فتأمرنا أن نأتيهم فنسلم عليهم ، فيقول:إنهم كانوا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ، وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع قضاءها"{[1352]} .
هذه صلة من أمر الله به .
وأما خشية الله تعالى فهي امتلاء القلب بالله ، وخشية عقابه ، ورجاء ثوابه ، وأن يكون ذاكرا لله ، شكورا لنعمه ، راجيا قبول طاعته{. . .إنما يخشى الله من عباده العلماء . . . ( 28 )} [ فاطر] ، فهم أعلم الناس به ذاتا ، وصفات ، وقدرا ، وإكبارا .
ومنها خوف سوء الحساب ، فهو خوف نتائج السر الذي كان في الدنيا ، والله غفور رحيم .