الصفة الثّانية من صفات أُولي الألباب هي ( والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) .
لا نجد صيغةً أوسع من هذه في هذا المجال ،فالإنسان له صلات وروابط كثيرة ،صلته مع ربّه ،ومع الأنبياء والقادة ،وروابطه مع الأصدقاء والجيران والأقرباء ومع كلّ الناس ،والآية تأمر أن تُحترم هذه الصلات ،وتنهى عن أي عمل يؤدّي إلى قطع هذه الصلات والروابط .
والإنسان في الحقيقة ليس منزوياً أو منفكّاً من عالم الوجود ،بل تحكم كلّ وجوده الصلات والروابط ،ومن جملة هذه الصلات:
1صلته بالله سبحانه وتعالى ،والتي إذا ما قطعها الإنسان تؤدّي إلى هلاكه كما في انطفاء نور المصباح في حالة قطع التيار الكهربائي عنه ،وعلى هذا فإنّ هذه الصلة التكوينيّة بين الإنسان وربّه يجب أن تتبعها صلة بأوامره وأحكامه من حيث الطاعة والعبودية .
2صلته بالأنبياء والأئمّة ( عليهم السلام ) على أساس أنّهم قادة للبشرية وقطعها يؤدّي بالإنسان إلى الضلال والانحراف .
3صلته بالمجتمع كافّة وخصوصاً بذوي الحقوق عليه أمثال الأب والاُمّ والأقرباء .
4صلته بنفسه ،من حيث أنّه مأمور بحفظها وإصلاحها وتكاملها .
إنّ إقامة أي صلة من هذه الصلات ،هي في الواقع مصداق للآية ( يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) وقطعها قطع لما أمر الله به أن يوصل ،لأنّ الله سبحانه وتعالى أمر بأن توصل ولا تقطع .
وبالإضافة إلى ما قلناه ،فهناك أحاديث واردة بخصوص هذه الآية يتّضح منها أنّ المراد القرابة مرّة ،ومرّة الإمامة أو آل الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،ومرّة أُخرى كلّ المؤمنين !فقد جاء عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تفسير الآية قال: «قرابتك » وعنه أيضاً ( عليه السلام ) قال: «نزلت في رحم آل محمّد وقد يكون في قرابتك »{[1936]} ومن الطريف أنّه ( عليه السلام ) يقول في نهاية الحديث: «فلا تكونن ممّن يقول للشيء أنّه في شيء واحد » وهذه الجملة إشارة واضحة إلى المعاني الواسعة للقرآن الكريم .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في حديث ثالث يقول: «هو صلة الإمام في كلّ سنة ( أي بالمال ) بما قلّ أو أكثر ،ثمّ قال: وما اُريد بذلك إلاّ تزكيتكم »{[1937]} .
الصفة الثّالثة والرّابعة من سيرة اُولي الألباب هي قوله تعالى: ( ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب ) .
لمعرفة الفرق بين «الخشية » و «الخوف » المتقاربان في المعنى يقول البعض: «الخشية » هي حالة الخوف مع احترام الطرف المقابل ومع العلم واليقين ،ولذلك عدّها القرآن الكريم من خصوصيات العلماء حيث يقول:
( إنّما يخشى الله من عباده العلماء ) .
ولكن بالنظر إلى استخدام القرآن الكريم لكلمة الخشية مرّات كثيرة يتّضح لنا أنّها تأتي بمعنى الخوف وتستعمل معها بشكل مترادف .
هنا يُطرح هذا السؤال: إذا كان الخوف من الخالق هو نفس الخوف من حسابه ،فما هو الفرق بين ( يخشون ربّهم ) و ( يخافون سوء الحساب ) ؟
الجواب: إنّ الخوف من الله سبحانه وتعالى ليس ملزماً دائماً أن يكون خوفاً من حسابه وعقابه ،بل إنّ العظمة الإلهيّة والإحساس بالعبوديّة له توجد حالة من الخوف في قلوب المؤمنين ( بغضّ النظر عن الجزاء والعقاب ) ،والآية ( 28 ) من سورة فاطر قد تشير إلى هذا المعنى .
وهناك سؤال آخر يتعلّق بسوء الحساب ،وهو: هل من الصحيح أنّ هناك ظلم في محاسبة الأفراد ؟
وقد تقدّم الجواب على هذا السؤال قبل عدّة آيات من هذه الآية وقلنا أنّ المراد هو التدقيق الشديد في الحساب من دون عفو أو تسامح وذكرنا أيضاً حديثاً في هذا الصدد .