وقد بين الله تعالى جزاء المؤمنين الذين اتصفوا بهذه الصفات السامية المطهرة للنفوس وللجماعات ، وهي تدل على أن هذه الصفات هي سبب الجزاء العظيم ،{ أولئك لهم عقبى الدار} وعقبى الدار ( الجنة ) ؛ ولذا بينها سبحانه وتعالى بقوله:
{ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( 23 ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ( 24 )} .
{ جنات عدن} بدل أو بيان لمعنى عقبى الدار ، أو الدار نفسها التي تكون عاقبة العالمين عملا صالحا ، والذين صبروا في الجهاد ابتغاء وجه ربهم ، و{ عدن} يعني إقامة ، أي جنات يقيمون فيها إقامة دائمة وهي الفردوس ، وتكون في وسط الجنة ، وفوقها عرش الرحمن الذي يحكم في عباده بما يشاء ، وهذا تصوير بياني رائع لبيان النعيم المقيم الذي يختص به الأبرار المجاهدون الأطهار .
يدخلونها ، لا عائق يعوقهم ، ولا حائل بينهم وبينها ، ويدخلون معهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم . ذكر هؤلاء الذين يكونون الأسرة ، والمؤمن في حنان مستمر إلى هؤلاء ، من آباء وأمهات وأبناء وأحفاد . فالله سبحانه وتعالى يطمئنه عليهم ، وبأن الأسرة الدنيوية تكون معه في الآخرة يأنس بها وتأنس به ، وقيد هؤلاء بأنهم الصالحون ، وغير الصالحين ليسوا منه ، وليس هو منهم كابن نوح ، إذ قال ربه:{. . .إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح . . . ( 46 )} [ هود] ، وهذا يشير إلى أن الجنة جزاء للأعمال ، لا للأنساب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأحبابه من بني هاشم:"يا معشر بني هاشم ، لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالأنساب ، وأن ليس للأنساب إلا ما سعى"{[1358]} . وقد فهم بعض المفسرين أن أولئك ألحقوا به إكراما له ، ولكن اشتراط الصلاح يقيد دخولهم{ ومن صلح} ، إنما كان استقلالا لعملهم بدليل ذكر الصلاح ، ولكن ذكروا معه لبيان أنسه بأحبابه في الدنيا أولا ولاطمئنانه على من يحدب عليهم ثانيا .