بعد ذلك بين الله تعالى جزاءه ، فقال:
{ لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق ( 34 )} .
ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن لهم عذابين ، أولهما عذاب الحياة الدنيا ، والثاني عذاب الآخرة ، ليس لهم من الله من واق .
أما عذاب الدنيا ، فإنه واقع في هذه الحياة ، وإن لم يكن هو الأشق ، وعذاب الدنيا يبتدئ من ذات أنفسهم ، وهو ضلال الفكر واضطرابه وعدم استقامة أنفسهم ، فإن استقامة العقل والنفس نعمة واطمئنان واستقرار وضد ذلك عذاب ، لا ريب فيه ، وعذاب الدنيا باللجاجة في الباطل ، والبراهين ساطعة ، والأدلة قائمة ، ثم من عذاب الدنيا الخزيان والذل ، وضر الذلة ، ومن عذاب الدنيا قتلهم بسيف الحق ، كما كان في بدر والأحزاب ، بل أحد الذين رجعوا فيها من الغنيمة بالإناب ، وقد يكون عذاب الدنيا بآية من آية .
أما عذاب الآخرة فهو أشق من عذاب الدنيا ، ويواجهون الله ،{ وما لهم من الله من واق} ، فالله لا ينظر إليهم ولا يكلمهم ، ويبدو لهم جهلهم ، وضلالهم ، ثم بعد ذلك جهنم بالتي جعلها مثوى الكافرين ،{ من} في قوله:{ من واق} لاستغراق النفي ، أي ما لهم واق من عذاب الله واق ، ما لهم من شفيع ولا نصير ، بل إنهم يتقدمون إليه سبحانه متناولين كتابهم بشمالهم ، اللهم قنا شر ذلك اليوم .