بين الله تعالى نعيم الجنة مقارنا بعذاب النار ، فقال:{ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار} ، المثل الحالي أو الوصف القريب الذي يسترعي الأفكار والأنظار ، والمعنى حال الجنة العجيبة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، تجري من تحتها الأنهار ، فتكون متعة النظر ، ومتعة النفس ، ومتعة النسيم العليل ، ومتعة الراحة ، والظل الظليل ، ومثل مبتدأ خبره جملة تجري من تحتها الأنهار ، ويصح أن يكون الخبر مصدر ، تقديره مثل الجنة كجنة تجري من تحتها النهار ، وفي ذلك معنى تحقق التشبيه بذكر المشبه والمشبه به ،{ أكلها دائم} ، أي ثمر مستمر ، من ثمر نخيل ورمان ،{ وفاكهة كثيرة ( 32 ) لا مقطوعة ولا ممنوعة ( 33 )} [ الواقعة] ، وغير ذلك من الثمار .
{ وظلها} ، وهو معطوف على أكل ، أي أن ظلها دائم مستمر ، ليس فيها حر لافح ، ولا يتسخ ظلها بشمس .
ثم يقول تعالى:{ تلك عقبى الذين اتقوا} ، الإشارة إلى الجنة بأوصافها الثلاثة المذكورة ، من أنها تجري من تحتها الأنهار ، فتنعم النفس بالمنظر الجميل ، والنسيم العليل ، والمنظر البهيج ، ومن أن ثمراتها دائمة لا تنقطع ، فتنعم بحياة دائمة ، ونعيم مقيم ، ومن أنها ظل دائم مستمر ، وتلك مبتدأ خبره{ وعقبى الذين اتقوا} ، أي نهاية الذين اتقوا انتهوا إليها وذكر الموصول للإشارة إلى أن الصلة ، وهي التقوى علة تلك العاقبة الحميدة في ذاتها .
ولقد ذكر في مقابل هذه النهاية الحلوة المرتبة عاقبة الكفر والأشرار ، فقال:{ وعقبى الكافرين النار} ، أي نهاية الكافرين الذين كفروا بالله وبآياته ، وبنعمه النار يلقون فيها ، وهي دائمة ،{. . .كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب . . .( 56 )} [ النساء] .
والتعبير ب{ عقبى} في جزاء الأشرار والأبرار للإشارة إلى أنه جزاء أعقب عملا إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، والله تعالى لا يظلم العباد ، وهم الذين يظلمون أنفسهم ، وله إرادة مختارة ، وعقل مدرك ، وإذا كانت الأعمال غير مستوية ، فالعقبى غير مستوية ، فقال تعالى:{ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ( 20 )} [ الحشر] .