قوله تعالى{مثل الجنة التي وُعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلّها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار}
قال ابن كثير: ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار ،فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك{لهم عذاب في الحياة الدنيا} أي بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا ،{ولعذاب الآخرة} أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا{أشق} أي من هذا بكثير ،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين:"إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة "وهو كما قال صلوات الله وسلامه عليه ،فإن عذاب الدنيا له انقضاء ،وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ،ووثاق لا يتصور كثافته وشدته ،كما قال تعالى{فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد} .
والحديث في صحيح مسلم في كتاب اللعان وانظر سورة طه آية ( 127 ) وتفسيرها .
قوله تعالى{أكلها دائم وظلها}
قال البخاري: حدثنا إسماعيل ،قال: حدثني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:"خَسَفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فصلّى .قالوا: يا رسول الله رأيناك تناول شيئا في مقامك ،ثم رأيناك تكعكعت .قال: إني أُريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ".
( صحيح البخاري2/271-ك الأذان ،ب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة ح/748 ) .وأخرجه مسلم{2/626-ك الكسوف ،ب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ..ح/907 بأطول منه ) .
قال مسلم: وحدثني الحسن بن علي الحلواني وحجاج بن الشاعر ،كلاهما عن أبي عاصم قال حسن: حدثنا أبو عاصم عن بن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يتمخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد ،كما يلهمون النفس ".
قال: وفي حديث حجاج"طعامهم ذلك ".
( الصحيح4/2181-بعد رقم2835-ك الجنة وصفة نعيمها ،ب في صفات الجنة وأهلها وتسبيحهم ) .
قال ابن كثير: وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ليرغب في الجنة ويحذر من النار ،ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر قال بعده:{تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار} .كما قال تعالى:{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} .