وقد ذكر سبحانه القلوب المظلمة ، فقال عز من قائل:{ الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ( 2 )} .
صدر سبحانه الجملة التي فيها كمال سلطان الله تعالى في الوجود بلفظ الجلالة ، لتربية المهابة في نفس القارئ ؛ ولأن ذلك يتلاقى مع سلطان الله الكامل ، و{ له ما في السموات وما في الأرض} للدلالة على ملكيته لكل ما في السموات ، وتكرار{ ما في} لدلالة على كمال استغراق الملكية له سبحانه وتعالى ، وهو على كل شيء قدير ، مالك كل شيء ، وذكر سبحانه ملكيته لما في السماء والأرض وذلك يقتضي ملكيته لهما ؛ لأن ملكية ما يشتملان عليه يقتضي – لا محالة - ملكيتهما ، إذ ملكية المظروف تقتضي ملكية الظرف ، وإن الملكية الكاملة لهذا الوجود كله بما فيه من أجرام ، وأحياء عاقلة وغير عاقلة يتضمن أنه يملك الأنداد ، وأنها وعبادها في قبضته سبحانه العليم بكل شيء ، وفي ذلك برهان قاطع أنها غير جديرة بالعبادة ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى بعد ذكر سلطان الله تعالى في الوجود كله ، وأنه لا سلطان لغيره ذكر بعض مقتضياته ، وهو كفر من يعبد الأوثان ، واستحقاقه للعذاب ؛ ولذا قال تعالى:{ وويل للكافرين من عذاب شديد} الويل:الهلاك ، وقال الزجاج:هي كلمة تقال للعذاب والهلاك{ من عذاب شديد} في ذاته ، وفي هذا إنذار ووعيد ، والمعنى هلاك لهم من عذاب شديد . وكأن المعنى كما يقول الزمخشري:يولولون من عذاب شديد ، ويصيحون قائلين يا ويلاه .
وننبه هنا إلى أمرين:
أولهما:أن ذكر الويل ينزل بالكافرين ، هو في مقابل الذين يسلكون صراط العزيز الحميد ، من حيث إنهم يكونون في عزة بعزته سبحانه وتعالى:وعاقبتهم محمود بسلوكهم طريقه المحمودة ، أما الذين لا يسلكون الطريق ويخالفون مقتضى الملكية الثابتة لله تعالى في السموات والأرض ومن فيهن ، فإنهم يكونون في ويل من عذاب شديد .
وثانيهما:الله مالك كل شيء ، حتى لقد قرر الفقهاء أم ملكية الناس للأشياء ملكية نسبية وليست ملكية حقيقية ؛ لأن المالك في الحقيقة هو الله سبحانه وتعالى .