فالقرآن متواتر بكتابته وبقراءته وبتلاوته ، فكان حفظه في الصدور مانعا من تحريف السطور ، تلقى الناس القرآن فآمن قليل ، وكفر كثير ، وقد رجا المؤمنون ما عند الله وطغى المشركون ، وبغوا واعتدوا وفتنوا الناس عن دينهم ، وإن الله تعالى يبين أن الذين كفروا بهذا القرآن الكريم سيأتي الزمن الذي يودون فيه لو كانوا مسلمين ، فيقول تعالى:{ ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( 2 )} .
يقول العلماء في ( رب ):إنها لا تتصل إلا بالاسم ، فإذا دخلت على الفعل توسطت ما ، وربما هي رب المخففة ، وقد قرئت بضم الراء وبفتحها ، وهما لغتان فيها .
وقالوا:إن ( رب ) تكون داخلة على الفعل الماضي ، ولكنا هنا دخلت على الفعل المضارع لتأكد وقوعه فكان كفعل الماضي في معناه عند الله تعالى ، وإن معنى المضي متحقق لفظا في{ كانوا} ، وربما تكون للتقليل وقد تستعمل للكثير ، والمعنى أنه ربما يود الذين كفروا في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين ، وما هذه الأوقات ؟ قيل:هي الأوقات التي تعلو فيها كلمة الحق ، وتصير الأرض العربية للمؤمنين فيها الكلمة العليا ، ويكون لهم السلطان والقوة ، فيتمنى المشركون الذين كفروا بالله وبالقرآن أن لو كانوا مسلمين ، فإذا كانوا يغترون الآن بقوتهم ، وعزتهم ، ويستضعفون المؤمنين ، فربما يكون العكس ، ويودون لو كانوا مسلمين ، وإنهم في المنزلة عند الله ورسوله ليسوا سواء ، فلا يستوي من أسلم ، وفي المسلمين ضعف ، ومن أسلم وفي المسلمين قوة ، ولذا قال تعالى:{. . .لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة . . .( 10 )} [ الحديد] .
هذا إذا قلنا:إن الوقت الذي يكون فيه هذا الود ، وذاك التمني هو قوة المسلمين ، وإن قلنا:إن الوقت هو يرم يرون العذاب ، فإن المعنى أنهم يتمنون أن لو كانوا مسلمين لتكون لهم النجاة ، حيث لا مناجاة إلا بأن يكونوا مسلمين .