وقد أشار الله تعالى بهذه الآية أن المشركين ، وإن استطالوا بفضل قوتهم الآن فإنهم سيتمون أن لو كان مسلمين في المستقبل فلا يأسى النبي عليهم ، والعاقبة للمتقين ؛ ولذا قال تعالى:{ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( 3 )} .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى:لو يؤمنون ، كما قال تعالى:{ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ( 3 )} [ الشعراء] ولكن الله تعالى أشار إلى نبيه أنه ليس عليه لا يؤمنوا ما دام قد بلغ رسالة ربه ؛ ولذا قال:{ ذرهم يأكلوا ويتمتعون ويلههم الأمل} ، أي اتركهم يأكلوا ويتمتعوا . . . وهذه الأفعال مجزومة في جواب الأمر ، وليس تركهم سبب هذه الأفعال ، إنما الترك إهمال لهم كما أهملوا النذير والاستجابة ، فالترك لانغمارهم في الشر ، وابتدأ بذكر الأكل للإشارة إلى أن متعهم من أفواههم ، كمتعة الحيوان ، فهم كالأنعام بل أضل سبيلا ، ويتمتعوا تلك المتع المادية التي كان الأكل عنوانها ورسمها ، ولا يفكرون إلا فيما هو من جنسه ، كألوان الثياب والنساء ، وما إلى ذلك وهم يغفلون كأنهم لا يموتون ، وكأنهم المخلدون ، وأملهم في هذه الحياة يلهيهم عن التفكير فيما يسوقون إليه أنفسهم ، وأن أملهم المادي المتجدد آنا بعد آن ، والذي يزيد وقتا بعد وقت – يلهيهم عن الحقيقة ، ولعلهم لا يفكرون في غاية إلا ما توحى بهم آمالهم العريضة في جاه يريدونه أو سلطان يبتغونه ، أو مال يحبونه ، أو أي شهوة عاجلة أو مؤجلة يرونها ، ويجمع ذلك قوله تعالى:{ ويلههم الأمل} .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم فيما روى البزار في مسنده:"أربعة من الشقاء:جمود العين ، وقساوة القلب ، وطول الأمل ، والحرص على الدنيا".
وقوله:{ فسوف يعلمون ( الفاء ) لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها ، و ( سوف يعلمون ) تهديد بسوء العاقبة لسوء ما يفعلون ، وطيبات المآرب واللذات الدنيوية على نفوسهم ، و ( سوف ) لتأكيد وقوع ما يفعلون ونذيره ، والجملة السامية تدل على أن حالتهم توجب اليأس من إيمانهم ، وقد قال الزمخشري:"فسوف يعلمون سوء صنيعهم ، والغرض الإيذان بأنهم من أهل الخذلان ، وأنهم لا يجئ منهم إلا ما هم فيه ، وأنه لا زاجر ولا واعظ إلا معاينة ما ينذرون به حين لا ينفعهم الوعظ ، ولا سبيل إلى اتعاظهم قبل ذلك ، فأمر رسول الله تعالى بأن يخليهم وشأنهم ، ولا ينشغل بما لا طائل تحته ، وأن يبالغ في تخليهم بما لا يزيدهم إلا ندما في العاقبة ، وفيه إلزام للحجة ، ومبالغة في الإنذار ، وإعذار فيه ، وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم ، وما يؤدى إليه طول الأمل وهذه هي حال أكثر الناس من ليس على من أخلاق المؤمنين ، وعن بعضهم التمرغ في الدنيا على أخلاق الهالكين ، هذه حال المشركين