وقد بين الله تعالى الغاية من البعث ، فقال تعالى:
{ ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ( 39 )} .
( اللام ) متعلقة بما قبلها ، أي أنها في مقام التعليل لوعد الله الحق الثابت المؤكد الذي ألزم الله تعالى به ذاته العلية ، والمعنى أن الله تعالى ما خلق الناس عبثا كما في قوله تعالى:{ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( 115 )} [ المؤمنون] ، فالله تعالى لم يخلق الإنسان ، ولم يجعله كالبهائم ، بل خلقه ومعه عقل يتفكر ويتدبر ، حيث كان التفكير ، كان الحساب على الأفعال ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، والدنيا لا تتسع لكل حساب الأعمال ، فلا بد من أخرى يحاسب فيها على جميع الأفعال ، والأناسى منهم المظلوم المحروم ، ومنهم الظالم المجدود{[1383]} ، فلا بد من يوم يستوفى فيه كل ذي حق حقه ، ينال كل ثمة ما كسب ، ومن نوع ما كسب .
وذلك هو ما يكون من بعد البعث ، وهذا معنى ليبين لهم الذي يختلفون فيه من حق وباطل وعدل وظلم ، ويكون كل ذلك أمام الحكم الذي يفتح بين الناس ، ويفصل بينهم بالحق وهو خير الفاصلين ،{ وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} .
( اللام ) هنا للعاقبة ، بينما اللام الأولى للتعليل ؛ ولذا كررت اللام لتغاير معناها ، ومعنى العاقبة أنهم كانوا يكفرون بالبعث ، ويكذبون الرسل في الدعوة إلى الإيمان ، ويشركون ويكذبون الرسل في الدعوة إلى التوحيد ، فإذا كان البعث والحساب والعقاب لمن أنكر وكابر وأشرك ، والثواب لمن آمن وأطاع وصبر وجاهد فإن عاقبة ذلك الذي يرونه حسيا أن يعلموا أنهم كانوا كاذبين في كل ما ادعوا وأنكروا ، وباهتوا الرسل والمؤمنين ، وعبر بالموصول{ الذين كفروا} لبيان أن كفرهم هو السبب في تكذيبهم ، وأكد سبحانه وتعالى علمهم بكذبهم ، أولا:ب "أن"المؤكدة ، وثانيا:ب "كان"الدالة على دوامهم على الكذب بدوام كفرهم ، وثالثا"بالجملة الاسمية ، والله سبحانه يعلم الغيب في السموات والأرض وإليه ترجعون .
وإن السبب في إنكارهم البعث هو أنهم مأسورون بالمادة والحاضر الذي بين أيديهم وأنهم لا يقدرون قدرة الله تعالى حق قدرها