{ أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 38 )}
{ جهد أيمانهم} ، الجهد مصدر بمعنى الطاعة والقوة ، ومعنى أقسموا بالله جهد أيمانهم أي جاهدين بأقصى قوتهم في تأكيد يمينهم ، والمقسم عليه{ لا يبعث الله من يموت} مأسورين في ذلك بالحال التي وقعت ، وهي الوقت ويحسبونه فناء لا حياة بعده ، ويحسبون أنه لا شيء غير المادة ، ولا يؤمنون بالمنشئ الموجد ، وإن كانوا يقولون:الله خالق كل شيء ، ولكنه قول لا يتغلغل في قلوبهم ، ويستمكن في نفوسهم ، روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث قدسي:"كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله:لن يعيدني كما بدأني ، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد"{[1382]} .
رد الله تعالى قسمهم الباطل بقوله تعالى – بلى – وهي تدل على الإجابة بالنفي وهو ما أكدوه ، ثم أكد سبحانه وتعالى الجواب بالنفي بقوله تعالى:{ وعدا عليه حقا} ووعدا مصدر ، ووصفه بأنه حق ثابت مستقر لا مجال لإخلافه ، وقال تعالى:{ عليه} ، أي أنه سبحانه التزمه ، وكيف يترك ما التزمه ولا ملزم له ، إنما هو الملتزم .
وبين سبحانه أن أكثر الناس غلبتهم المادة ، وسيطرت عليهم الأحوال التي يرونها ، وتركوا المغيب عنهم فلم يدركوه ، ولم يؤمنوا بالغيب ؛ ولذا قال تعالى:{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الاستدراك هنا من الوعد المؤكد الثابت الذي ألزم الله تعالى به نفسه ، إذ كان الواجب عليهم أن يعلموا من قياس القابل على الحاضر ولكن أكثرهم لا يعملون ، أي ليس من شأنهم أن يدركوا ، وأن يعلموا لأنهم لم يؤمنوا بالغيب ، ولم يعرفوا قدرة ربهم وما المراد ( بالناس ) ؟ ، إن أريد المشركون وكلهم لا يعلمون ذلك ، وقيل المؤمنون ، وإن أريد الناس جميعا ، فإن أكثرهم لا يؤمنون بالعودة ، ومن اعتقد منهم لا يذعن ، وإلا ما كانت المعاصي التي ترتكب جهارا ، فهي لا ترتكب إلا من غفلة في الإيمان باليوم الآخر