كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يهتدي قومه ، لرأفته بهم ولرغبته في مصلحتهم ، ولأنه يرى إيمانهم من كمال تبليغ رسالته ، ويخشى أن يكون قد قصر في التبليغ إن لم يؤمنوا ، ولأنه – كصاحب كل دعوة – يريد للناس أن يتبعوها في غير عوجاء ولا اعوجاجا ، ولكن الهداية ليست بيده ، إنما هي بيد الله ؛ ولذا قال تعالى:
{ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ( 37 )} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصا على هداية قومه ، والحرص هو الرغبة الشديدة في أمر من الأمور ، وقد كان الني صلى الله عليه وسلم راغبا في هداية قومه ، والضمير في{ هداهم} يعود على الذين قالوا:ما أشركنا نحنن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء .
وجواب الشرط في{ إن تحرص على هداهم} هو قوله تعالى:{ فإن الله لا يهدي من يضل} ويضل هنا معناها من كتب عليه الضلالة ، وقدرها له في قدرة المحتوم ، ولوحه المحفوظ ، وذلك لأنه سلك سبيل الغواية ولم يتفكر ويتدبر ، وسيطرت عليهم أوهام الماد ، والجاه والسلطان وحب السيطرة فإنه تكتب عليه الضلالة ، ولترك اله تعالى له سادرا في غلوائه يكون كمن يضله .
{ وما لهم من ناصرين} ، أي لا أحد ينصرهم ، وهذا يومئ إلى أنهم يعتريهم عذاب أليم ، لا ينقذهم منه ولى ولا ناصر لهم ، وفيه دلالة على أنهم ما داموا قد رتعوا في الغي ، فلا يمكن أن يكون لهم هاد مرشد ، وهذا كقوله تعالى:{ إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . . .( 56 )} [ القصص] .
وإن هذا الجحود سببه أمران:
الأمر الأول – الاستكبار ، وقد تكلمت الآيات القرآنية في آثاره .
والأمر الثاني – جحود اليوم الآخر ، وقولهم:إن هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب ، وقد بين الله تعالى حالهم في جحودهم اليوم الآخر فقال تعالى:
{ أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 38 )}