بث الرسل بالتوحيد والبعث
بعد أن أشار سبحانه إلى أن على الرسل البلاغ المبين الواضح بأدلته ، وآيات الله المقترنة به ، بين سبحانه أنه ما ترك أمة من غير نذير ، بل بعث في كل أمة رسولها بالحق ، فقال عز من قائل:
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} .
أكد سبحانه وتعالى بعثه للرسل بأن بعث لكل أمة رسولا ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعا من الرسل ، أكد ذلك باللام وقد ، ولقد عين سبحانه رسالة كل رسول من هؤلاء الرسل فقال:{ أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} .
{ أن} تفسيرية فهي مفسرة بمعنى الرسالة ، وهي الأمر بعبادة الله وحده واجتناب الطاغوت .
وقوله تعالى:{ أن اعبدوا الله} فيه أمر بالوحدانية ودعوة إليها وتحريض عليها ؛ لأن عبادة الله تعالى لا تكون إلا إذا كان يعبد وحده لا شريك له .
وقوله تعالى:{ واجتنبوا الطاغوت} ، أي ابعدوا عن أنفسكم الطاغوت ، أي جانبوه ، والطاغوت فعلوت من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد ، ويشمل مجاوزة الحد في العقول فيعبد مالا ينفع ولا يضر ، ويشرك مع الله غيره وتتحكم فيه الأوهام ، فيرى الباطل حقا والحق باطلا ، ويشمل ظلم العباد ، والطعيان عليهم ، ويشمل الطغيان في المعاملان والظلم ، وغير ذلك .
فالدعوة أي الوحدانية واجتناب الطاغوت جامعة لكل معاني الرسالة من عقيدة ، وتعامل الناس بعضها مع بعض ، هذه رسالة رسل الله في الأرض ، اعتقاد سليم ، وتعاون وعمل عادل مستقيم .
وقد تلقى الناس رسالة الرسل الهادية المرشدة ما بين مهتد مقتنع مؤمن ، وما بين ضال قد حقت عليه الضلالة ، ولذلك قال سبحانه:{ فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} ومن هدى الله هو الذي سلك طريق الهداية ، وأعد قلبه لقبول الحق والاقتناع به ، ولم تكن ثمة غواش من حب المادة أو السلطان أو الجاه أو التأثر لما كان عليه الآباء ، فيتبع من غير تفكير ولا تدبر بل نقول:
{. . .بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا . . .( 170 )} [ البقرة] ، فمن كانت حاله كذلك ، وهو في هذا متساوق مع الفطرة فإن الله يهديه ، ويجعله يتم الصراط التي ابتدأ السير فيها .
وأما من حقت عليه الضلالة ، أي ثبتت وتأكدت ، فهو الذي لا يتفكر ولا يتدبر لغواش غشيت قلبه من حب الدنيا وجاهها ، وسلطانها ، وسيطر على عقله التقليد ، والعناد والاستكبار ، وبذلك تفسد فطرته التي فطر الناس عليها ، ولذا حقت عليهم الضلالة .
وإن أولئك أنزل الله تعالى بهم الدمار في الدنيا ، وصاروا عبرة للمعتبرين ؛ ولذا قال تعالى:{ فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} .
( الفاء ) الأولى دالة على الإفصاح عن شرط مقدر ، أو كلام مقدر تقديره فنزل بهم الدمار والهلاك{ فسيروا في الأرض} ، فستجدون الآثار لمن أهلكهم الله ،{ فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} ، أي انظر الحال التي آل إليها أمرهم بسبب تكذيبهم ؛ ولذلك أظهر في موضع الإضمار للدلالة على أن ما أصابهم سببه التكذيب ، والله سبحانه وتعالى أعلم .