ويوجه سبحانه وتعالى الأنظار إلى الخلق والمخلوقات ففيها الدلالة على وحدانية الخالق ، وفيها الدلالة على قدرته القاهرة وإرادته الظاهرة وفيها الدلالة على خضوع الوجود كله له سبحانه ساجدا داخرا صاغار ، فقال عز من قائل:
{ أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ( 48 )} .
الهمزة داخلة على فعل محذوف يقدره المقام والمعنى يفعلون ما يفعلون معاندين مجاهرين بالعصيان ، ولم يروا ما خلق الله من شيء ، و{ من} بيانية ، أو لاستغراق النفي والاستفهام هنا إنكاري ؛ لإنكار الوقوع وهو داخل على نفي ، ونفى النفى إثبات ، والمعنى انظروا ( وفكروا ) إلى ما خلق من أشياء تتفيأ ظلاله ، أي لها فئ ، ولهذا الفئ ظل ، وتتداخل ظلاله ، فالجبال لها فئ والأشجار لها فئ ، وكل فئ له ظل ، فتتفيؤ هذه الأفياء ، ويكون ظلال كما ترى الشجر المتداخل تتفيأ الظلال ذات اليمين وذات الشمال ، وعبر عن الجانبين المقابلين باليمين والشمال ، فقوله عن اليمين والشمائل ، عن الجانب اليمين من ناحية الشرق ، وعن الشمائل من جهة الغرب ، وذلك بالنسبة للكعبة فما يكون على شرقيها يكون يمينا ، وما يكون عن غربيها يكون شمالا ، وعبر عن اليمين بالمفرد ويراد به الجمع ؛ لأنه أفياء مختلفة تطول ابتداء وتقصر عند الظهيرة ، ثم تكون الأفياء ناحية الغرب تبتدئ قصيرة من فئ الزوال ثم تكبر شيئا فشيئا حتى تستطيل طولا كثيرا .
وفي التعبير عن اليمين بالمفرد إشارة إلى نهايته ، وإلى أنه لا يرى إلا قصيرا بينما الشمال لا يرى إلا طويلا ، ويزداد شيئا بعد شيء ؛ ولذا عبر فيه بالجمع وهو شمائل ، والاثنان جمع ، فهو أفياء كما ذكرنا .
والتعبير بفئ ليضمنها معنى المجاوزة ، أي إن تجاوز إلى اليمين أو تجاوز إلى الشمائل تكون أفياء ، وقوله تعالى:{ سجدا} ، أي أن هذه الأفياء ساجدة خاضعة لله تعالى ، تسبح بحمده كما يسبح الرعد بحمده ، وقوله تعالى:{ داخرون} ، أي صاغرون خاضعون ، وجمعت جمع عقلاء ، تنزيلا لها هذه المنزلة لخضوعها وتسبيحها بحمده سبحانه وتعالى ، وهو على كل شيء قدير .