{ أو يأخذهم على تخوف}
أي تخوف من العذاب أن ينزل بهم كما نزل الأقوام قبلهم فهم يعروهم الخوف ، ولكن لا يصل إلى حملهم على الإيمان ، ولكن يتخوفون أن ينزل بهم ، وقد يفسر التخوف بمعنى النقص ، أي ينقص الله من أموالهم شيئا فشيئا . كما فعل سبحانه وتعالى بقوم فرعون إذ قال سبحانه:{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ( 130 )} [ الأعراف] ، فالتخوف هو النقص حتى يكون الهلاك من بعد ذلك .
ولقد ذكر الزمخشري في ذلك ما نصه:"وقيل هو من قولك:تخوفته إذا تنقصته ، قال زهير:
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن
أي يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا ، وعن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر:ما تقولون فيها ، فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال:هذه لغتنا ، التخوف التنقص قال:فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال:نعم قال:شاعرنا وأنشد البيت ، فقال عمر:أيها الناس عليكم بديوانكم ، قالوا:وما ديواننا ، قال:شعر الجاهلية".
ومعنى النص السامي أن العذاب يأتيهم وهم لا يشعرون وهم في مأمنهم قابعون ، أو يأتيهم في متاجرهم ومتقلبهم مقبلين ، أو يأتيهم بنقص وهلاك بطئ فينتهون وهم قد عرفوا الابتداء ولم يعرفوا الانتهاء .
وقد ختم الله سبحانه آيات الإنذار بقوله:{ فإن ربكم لرءوف رحيم} .
ووصف الله سبحانه وتعالى ذاته بالرأفة والرحمة مع هذا التهديد الشديد ، لأن رأفته بهم ، ورحمته العامة ، اقتضت ألا يعاجلهم بالعقاب ، فهو سبحانه يبين لهم أنه قادر على العقاب ينزله بهم في أي باب من هذه الأبواب ، ولكنه لم يعجل رأفة بهم وهو رحيم رحمة عامة الناس .
وفوق ذلك فإن الإنذار العقوبة ، بل العقوبة نفسها رحمة بالكافة ، فليس من الرحمة بالكافة أن يترك الظالم في غيه يرتع ويلعب ويعبث بالكرامة الإنسانية ، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من لا يرحم لا يرحم"{[1384]} ، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله أنهم يجعلون لله ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم"، ويقول صلى الله عليه وسلم:"إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"{[1385]} .