وقوله- سبحانه-:أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
قال بعض العلماء:والتخوف في اللغة يأتى مصدر تخوف القاصر، بمعنى خاف، ويأتى مصدر تخوف المتعدى بمعنى تنقص. وهذا الثاني لغة هذيل، وهي من اللغات الفصيحة التي جاء بها القرآن» .
والمعنى على الأول:أو يأخذهم وهم في حالة خوف وتوقع لنزول العذاب بهم، كما نزل بالذين من قبلهم.
وإلى هذا المعنى أشار ابن كثير بقوله:وقوله:أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ. أى:أو يأخذهم الله- تعالى- في حال خوفهم من أخذه لهم، فإنه يكون أبلغ وأشد حالات الأخذ، فإن حصول ما يتوقع مع الخوف شديد ... » .
والمعنى على الثاني:أو يأخذهم وهم في حالة تنقص في أنفسهم وأموالهم وأولادهم حتى يهلكوا، فيكون هلاكهم قد سبقه الفقر والقحط والمرض، وفي ذلك ما فيه من عذاب لهم، وحسرة عليهم.
قال القرطبي:وقال سعيد بن المسيب:بينما عمر بن الخطاب- رضى الله عنه على المنبر قال:أيها الناس ما تقولون في قول الله- عز وجل-:أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ.
فسكت الناس.
فقال شيخ من بنى هذيل:هي لغتنا يا أمير المؤمنين. التخوف:التنقص.
فقال عمر:أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال نعم قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد اكتنازه:
تخوّف الرحل منها تامكا قردا ... كما تخوّف عود النّبعة السّفن
فقال عمر:أيها الناس:عليكم بديوانكم شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم».
وختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله:فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ لبيان فضله- سبحانه- على عباده، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلهم لعلهم يتوبون إليه ويستغفرونه.
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد حذرت الكافرين من التمادي في كفرهم، وهددتهم:
بخسف الأرض بهم. أو بنزول العذاب عليهم من حيث لا يشعرون، أو بإهلاكهم وهم في الأرض يكدحون، أو بأخذهم وهم للأخذ متوقعون.
وبعد أن خوف- سبحانه- الماكرين بما خوف، أتبع ذلك بما يدل على كمال قدرته وعظمته وجلاله، حيث خضعت جميع المخلوقات لذاته- سبحانه- فقال- تعالى-: