وإنه من بعد ضرب الأمثال ، ومنها يتبين أن الله سبحانه وتعالى يدير العالم بحكمته ، وأنه وحده القادر على كل شيء وأن الحساب يجئ لا محالة ؛ ولذا قال تعالى:
{ ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير ( 77 )} .
أحسب أن هذه الآية تشير إلى ما قدره سبحانه وتعالى في علمه المكنون مما كتبه على الناس من غنى وفقر ، وإن كل شيء بقدره ، وفي غيبه حتى العجز و الكيس ، ومع ذلك فيها بيان لما يستعجله الناس من وعيد ، ومن قيام الساعة مع أنه قريب وأنه ليس بعسير على الله تعالى بل كلمح البصر أو هو أقرب ، واللمح النظر السريع ، يقال لمحه لمحا ولمحانا إذا أدركه بطرف العين أو مجرد حركتها بحركة الرمش ، وهو زمن لا يتجاوز ثواني من دقيقة .
والمعنى وإن أمر الساعة وزمانها وإن استطلتم الزمن الذي يمضي هو عند الله كلمح البصر ، أي تحسبونه بعيدا ، وهو عند الله تعالى قريب كلمح البصر ، فالأزمان تجري عليكم بالطول والقصر ، أما عند الله فإنه لا زمان يحكمه ، ولا ظرف يحيط إنما ذلك أعراض لا تكون إلا عند الحوادث ، وذلك كقوله تعالى:{ إنهم يرونه بعيدا ( 6 ) ونراه قريبا ( 7 )} [ المعارج] وكقوله تعالى:{ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( 47 )} [ الحج] ، أي إن الزمن لا يحكم إرادة الله ، بل إرادة الله تعالى هي الخالقة للأفلاك والأزمان ومعنى{ أمر الساعة} مهما طال زمنها في نظركم ، وهو عند الله قريب{ أو هو أقرب} ، ( أو ) للإضراب عن وصف أمرها بأنها كلمح البصر ، بل هي أقرب من ذلك إن بالغتم في الاستغراب .
وإنه يراد مع استطالة الزمن أن الساعة إذا جاءت واضطربت السموات والأرض وكورت الشمس وانفطرت الأرض والكواكب اندثرت ، كل ذلك يتم في لمح البصر أقرب من ذلك ، فالله تعالى على كل شيء قدير ؛ ولذا ختم الآية بقوله تعالى:{ إن الله على كل شيء قدير} وقد أكد سبحانه وتعالى قدرته بعدة مؤكدات أولها الجملة الإسمية ، وثانيها:( إن ) الدالة على تأكيد الخبر وهو قدرة الله تعالى ، وتقديم{ كل شيء} على{ قدير} ؛ أنه يدل على الاهتمام ووصف{ قدير} ، والله أعلم .