/م75
كما رأينا من ربط القرآن في بحوثه المتعلقة بالتوحيد ومحاربة الشرك مع بحث المعاد ومحكمة القيامة الكبرى ،نراه هنا يتناول الإِجابة على إِشكالات المشركين فيما يخص المعاد ،فيقول لهم: ( لله غيب السماوات والأرض ) .
وكأن الآية جواب على الإِشكال العالق في أذهان وألسنة منكري المعاد الجسماني بقولهم: إِنّنا إِذا متنا وتبعثرت ذرات أجسامنا بين التراب ،فمن يقدر على جمعها ؟!وإِذا ما افترضنا أنّ هذه الذرات قد جمعت وعدنا إلى الحياة ،فَمَنْ سيعلم بأعمالنا التي طوتها يد النسيان فنحاسب عليها ؟!
وبعبارة مختصرة تجيب الآية على كل أبعاد السؤال ،فالله عز وجل «يعلم غيب السماوات والأرض » ،فهو حاضر في كل زمان ومكان ،وعليه: فلا يخفى عليه شيء أبداً ،ولا مفهوم لقولهم إِطلاقاً ،وكل شيء يعلمه تعالى شهوداً ،وأمّا تلك العبارات والأحوال فإِنّما تناسب وجودنا الناقص لا غير .
ثمّ يضيف قائلا: ( وما أمر الساعة إِلاّ كلمح البصر أو هو أقرب ){[2120]} .
وهذا المقطع القرآني يشير إلى رد إِشكال آخر كان يطرحه منكرو المعاد بقولهم: مَنْ له القدرة على المعاد ،ومن يتمكن من انجاز هذا الأمر العسير ؟!
فيجيبهم القرآن ،بأن هذا الأمر يبدو لكم صعباً لأنّكم ضعفاء ،أمّا لصاحب القدرة المطلقة فهو من السهولة والسرعة ؛بحيث يكون أسرع ممّا تتصورون ،وإِنْ هو ( إِلاّ كلمح البصر ) منكم .
وبعد أن شبّه قيام الساعة بلمح البصر ،قال: ( أو هو أقرب ) ،أيْ: إِنّ التشبيه بلمح البصر جاء لضيق العبارة واللغة ،وإِنّما هو من السرعة بما لا يلحظ فيه الزمان أساساً ،وما ذلك الوصف إِلاّ لتقريبه لأذهانكم من حيث أنّ لمح البصر هو أقصر زمان في منطقكم .
وعلى أيّة حال ،فالعبارتان إِشارة حيّة لقدرة اللّه عز وجل المطلقة ،وبخصوص مسألتي المعاد والقيامة ،ولهذا يقول الباري في ذيل الآية: ( إِنّ اللّه على كل شيء قدير ) .
/خ77