/م75
ثمّ يضرب مثلا آخر لعبدة الأصنام والمؤمنين والصادقين ،فيشبه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء ،ويشبه الآخر بإِنسان حر يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم: ( وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه ){[2119]} ولهذا ..( أينما يوجهه لا يأتِ بخير ) .
وعلى هذا فيكون له أربع صفات سلبية:
أبكم ( لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر منذ الولادة ) .
وعاجز لا يقدر على شيء .
وكَلٌّ على مولاه .
وأينما يوجهه لا يأتِ بخير .
مع أنّ الصفات المذكورة علة ومعلول لبعضها الآخر ،ولكنّها ترسم صورة إِنسان سلبي مائة في المائة ،حيث أن وجوده لا ينم عن أي خير أو بركة إِضافة ؛لكونه «كلُّ » على أهله ومجتمعه .
ف ( هل يستوي هو ومَنْ يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) ؟!
وأمّا الرجل الآخر في مثل الآية فهو صاحب دعوة مستمرّة إلى العدل وسائر على الصراط المستقيم ،وما هاتان الصفتان إِلاّ مفتاح لصفات أُخرى متضمنة لها ،فصاحب هاتين الصفتين: لسانه ناطق ،منطقه محكم ،إِرادته قوية ،شجاع وشهم ؛لأنّه لا يمكن أن يتصور لداعية العدل أن يكون: أبكم ،جباناً وضعيفاً !ولا يمكن أن يكون من هو على صراط مستقيم إِنساناً عاجزاً أبله وضعيف العقل ،بل ينبغي أن يكون ذكياً ،نبيهاً ،حكيماً وثابتاً .
وتظهر المقايسة بين هذين الرجلين ذلك البون الشاسع بين الاتجاهين الفكريين المختلفين لعبدة الأصنام من جهة ،وعباد اللّه عزَّ وجلّ من جهة أُخرى ،وما بينهم من تفاوت تربوي وعقائدي .
/خ77