الله أبقى وخيره أبقى
في الآية السابقة ، قال تعالى:{ ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} وختم الآية بقوله تعالى:{ إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون} .
وفي هذه الآيات الكريمات يبين وجه الخيرية لما عند الله تعالى ؛ ولذا قال تعالى:
{ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 96 )} ، ( ما ) اسم موصول بمعنى الذي ، أي الذي عندكم أعراض فانية فإن كانت مالا فإنها تنفذ ينهيها الزمان مهما يكن الحرص ، وإن بقيت فإنما تبقى بقدر حياة الذي يقتنيها ، وإن حياته لقصيرة في أزمان الناس ،{ وما عند الله باق} ، أي والذي عند الله باق يبقى ببقاء الجنة ، وإن نعيمها الخالد والذين ينالونها خالدون فيها أبدا ، والفرق بين ما عند الناس حلالا وحراما وما عند الله هو الدوام فنعيم الآخرة مقيم ، ونعيم الدنيا فأقصى مدته هي مدة الدنيا .
وقد بين سبحانه وتعالى الذين يستحقون ما عند الله وهو الباقي فقال:{ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون} ، و{ صبروا} صلة الموصول ، وهي نشير على أن الصبر سبب هذا النعيم الباقي الذي لا ينفذ ، فالصبر وهو ضبط النفس في ظل الأوامر والنواهي ، فضبط النفس عند الأمر بالوفاء بالعهد يوجب ألا يندفع الناس وراء بارقة تحمل على النقض ، ويوجب ألا يستطار وراء مطمع فلا يفي ، والصبر هو الذي يضبط النفس فيحملها على الطاعة ، ويحملها على اجتناب المعاصي ، والجهاد بالصبر على كف أهواء النفس ونزهاتها جهاد سماه النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد الأكبر .
وقال تعالى:{ أجرهم} جزاء بأحسن الأعمال التي عملوها قال:{ بأحسن ما كانوا يعملون} ، أي بأحسن الأعمال التي عملوا ، يعني يتخير الله تعالى لهم من أعمالهم أحسنها ، ويغفر لهم اللمم والهنات ، والجزاء على أحسن الأعمال يتناول الجزاء الأوفى على كل عمل يعملونه ، وإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، وإن الصابرين لهم أجران:أجر الصبر وهو جهاد ، وأجر العمل وهو إحسان ، وهنا أمران بيانيان:
الأمر الأول – في المقابلة بين ما عند الناس ، وما عند الله ، فقد وصف ما عند الناس بأنه ينفذ ، وما عند الله بأنه باق ، أي له صفة البقاء والدوام والاستمرار وفرق بين ما يوجد لينتهي وما يوجد ليبقى .
الأمر الثاني – أن الله تعالى أكد جزاء الصابرين بالقسم ولامه ، ونون التوكيد الثقيلة فقال:{ ولنجزين الذين صبروا} وإن الجزاء يتخير فيه أحسن الأعمال ويعفو عن كثير . . . . .