وقد بين سبحانه وتعالى جزاء العالمين الصابرين فقال عز من قائل:
{ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 97 )} .
{ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن . . .} .
{ من} هنا شرطية أو موصولة ، و ( الفاء ) تدخل في خبر الموصول لما بينه وبين الشرط من صلة إذ هو في معناه ، و{ من ذكر أو أنثى} بيانية ليعمها الجزاء بعد أن عمها الفعل ، وذكر{ صالحا} والموصوف والعمل غير مذكور سواء أكان مقدرا أم كان غير مقدر ، وذلك ليتجه النظر إلى نية الصلاح والمصلحة في العمل ، فإن الاعتبار للنية ككل خير في قانون الأخلاق العبرة فيه إلى النية ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات وإنما كان لكل امرئ ما نوى"{[1395]} .
وذكر هنا الذكر والأنثى مع أن الكل تشملهم التكليفات ، والخطاب يشمل الذكر والأنثى ، فيدخل الذكر ابتداء ، ويدخل الأنثى بقانون الاطمئنان وهذه تهم الأنثى بالذات فكان ذكر الأنثى فيه فضل حث وتحضيض للأنثى على عمل الصالح لتطيب حياتها بسعادة واطمئنان في ظل زوج صالح .
وقال تعالى في جزاء الصلاح بنيته المعتزمة للخير ، والحال أنه مؤمن ثابت الإيمان قوي اليقين استمر في إيمانه حتى لقي ربه راضيا مرضيا:{ فلنحيينه حياة طيبة} ، أي يحييه الله تعالى حياة طيبة في الدنيا ، و ( الفاء ) في جواب الشرط أو ما هو معنى الشرط ، وهو الموصول وقد أكد سبحانه أنه يحييه حياة طيبة بالقسم وباللام الموطئة للقسم ، وبنون التوكيد الثقيلة ، وما الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين الذين يعملون العمل الطيب بقلوب قاصدة الخير الصلاح ، والصلاح غايتها ومبتغاها ؟ الحياة الطيبة هي أن يكون رزقها حلالا ، وأن يجملها الله تعالى بالرضا بكل ما يأتى به ، والقناعة في حال العسر ، والرزق الحلال ، أو طلب الحلال في اليسر ، والصبر في الضراء وحال البأس{ الذين منوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( 28 )} [ الرعد] ، وفي الجملة الحياة الطيبة هي الحياة الراضية القانعة الشاكرة الصابرة ولا يكون ذلك إلا لمؤمن ، وإن هذه الحياة الطيبة جزاء عاجل للإيمان والصالح من الذكور والإناث فلا سعادة خير من سعادة الرضا بالعمل الصالح ، واطمئنان القلب بذكر الله والتوكل عليه في الشديدة والكريهة بعد أخذ الأسباب والاتجاه إلى الله ، أما الجزاء الآجل المؤكد الذي لا مرية فيه ، فهو في الآخرة ، وقد قال تعالى فيه:{ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} ، ولم يذكر في الحياة الطيبة أنها أجر ، بل ذكرها على أنها ملازم للعمل الصالح الصادر من قلب سليم ، فهي ثمرة للصالح كثمرة الشجرة ، وكإنتاج الزرع وحيثما وجد العمل الصالح كانت الحياة الطيبة ولو كانت جهادا مستمرا ، ومع ذلك له أجر هو ثواب الآخرة يجزيهم الله تعالى بأحسن ما يعملون ، وقد ذكر أنه سبحانه يجازي{ بأحسن ما كانوا يعملون} فجعل سبحانه وتعالى عملهم الصالح أو أحسنه هو الجزاء ؛ لأنه يماثله أو يساويه كأنه هو ، وهو سبحانه وتعالى مانح النعم ومجريها ، وقد ذكر سبحانه وتعالى بعد صالح الأعمال والأقوال وهو أعلاها ، قراءة القرآن وذكره فقال تعالى:
{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( 98 )} .