قوله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 97 )} ،ذلك إعلان كذلك يبين الله فيه للعالمين أن من يعمل من الناس- ذكرا أو أنثى- ،عملا صالحا فيه الطاعة لله ،( وهو مؤمن ) ،الجملة في موضع نصب على الحال{[2605]} ؛أي: حال كونه مؤمنا بالله وكتبه ورسله وملائكته ،مصدقا بقضاء الله وقدره واليوم الآخر .وهذا دليل أبلج على شرط القبول للأعمال ،وهو الإيمان المستقيم الصحيح .وعلى هذا لا وزن ولا قيمة للعمل المقترن بالكفر أو النفاق أو الرياء ،فلا يقبل من الأعمال إلا ما كان منها خالصا لله .
قوله: ( فلنحيينه حياة طيبة ) ،لسوف يحيي الله المؤمن المخلص حياة طيبة .وقد اختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة .فقد قيل: الرزق الطيب الحلال ،وقيل: السعادة .وقيل: الجنة .وقيل: القناعة .والصواب من ذلك: أن الله جل وعلا يمتن على عبادة العاملين المخلصين بفيض الإحساس بالرضى والبهجة والاطمئنان .وهكذا يكون المؤمن العامل المخلص ؛إذ يجد في نفسه من برْد الراحة والقناعة والطمأنينة ،ما يجعله مستديم الشعور بالأمن والسكينة والحبور ،سواء كان ذا يسار أو إعسار .وثمة حقيقة تضمنتها هذه الآية .وهي استواء الذكر والأنثى في تحصيل الحياة الطيبة ،وحسن الجزاء من الله إذ تحقق شرط القبول للأعمال ،وهو الإيمان الصحيح المستقيم .فأيما ذكر أو أنثى حسن عمله وهو مؤمن ؛فإنه في زمرة السعداء والفائزين في الدارين ،بغض النظر في ذلك عن اعتبارات الذكورة والأنوثة ،أو اختلاف الأجناس والألوان .
قوله: ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ،ذلك يوم القيامة ،فهم إذا صاروا إلى ربهم جزاهم الله الأجر بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعة .
وقيل: إن هذه الآية نزلت بسبب قوم من أهل ملل شتى ،تفاخروا فقال أهل كل ملة منها: نحن أفضل ،فبيّن الله لهم أفضل أهل الملل .وقيل: جلس ناس من أهل الأوثان وأهل التوراة وأهل الإنجيل .فقال هؤلاء: نحن أفضل .وقال هؤلاء: نحن أفضل ،فأنزل الله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ) الآية{[2606]} .