ولقد أشار سبحانه وتعالى إلى معجزته الكبرى وهو القرآن فقال تعالى:
{ ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا ( 41 )} .
أكد الله تعالى أنه يصرف القول في القرن ، فقال:{ ولقد صرفنا في هذا القرآن} ، أي صدقنا عباراته ومعانيه ، فأحيانا تكون قصصا فيها العبر ، وأحيانا تكون بالأمثال يضربها ، وأحيانا يقرر الحقائق بطريق الاستفهام ، وأحيانا ينفيها ، ويستنكرها ، وهو في كل ذلك ينتقل من إقرار حكيم معجز إلى مثله ، وقد قال بعض العلماء في تصريف القرآن:لم يجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا ومحكما ومتشابها وأخبارا وأمثالا ، مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، وهكذا كان التصريف من أسرار الإعجاز وهو أعلى درجات البلاغة وأسرارها .
وإنك وأنت تقرأ القرآن وهو مأدبة الله تعالى تنتقل فيها من طيب سائغ إلى طيب سائغ ، في حلاوة طعم ، وجمال منظر وكله هنئ مرئ ؛ لأنه مائدة رب العالمين .
وقد صرف الله سبحانه في القرآن ذلك التصريف{ ليذكروا} ، أي ليملأوا قلوبهم بذكر الله وليعتبروا بعبره ، وليروه فيه الكلام المعجز الذي يذكرهم برسالة النبي ليؤمنوا .
ولكن المتنعت المعاند لا يقنعه الدليل ولا يزيده إيمانا بل إن عناده وطغيانه يزيده استمساكا بضلاله وإصرارا على كفره ، ولذا قال:{ وما يزيدهم إلا نفورا} ، أي إلا بعدا عن الحق نافرين منه .
والتذكير هنا هو التدبر كما قال تعالى:{. . .قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ( 126 )} [ الأنعام] ، والنفور كما أشرنا الإيغال ف الضلال والإمعان فيه ، وأي ضلال أشد من النفور من الحق واجتنابه .