وأن بعض الذين يدعون كالملائكة ، والجن ، والمسيح ، وعزير ، وكانت عبادة هؤلاء من صائبة العرب ويهودهم ونصاراهم ، يتضرعون إلى الله ويعبدونه ، ولذى قال تعالى فيهم:
{ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون إن عذاب ربك كان محذورا ( 57 )} .
يقول ابن جرير الطبري:إن هذه الآية نزلت في بعض مشركي العرب الذين كانوا يعبدون الملائكة وعزير والمسيح وهؤلاء جميعا كانوا في أطراف الجزيرة العربية في اليمن والأقاليم التي تصاقب العراق ، من الصائبة وغيرهم الذين كانوا يعبدن النجوم والأرواح ، وكانوا إلى النصرانية أقرب ، ومنهم إلى المجوسية أقرب .
وهذه المعبودات المزعومة لا تضر ولا تنفع ، وينطبق عليها بالنسبة للضر والنفع ما ينطبق على الأوثان تماما ، ولكن فيها عباد مكرومون كالمسيح ، فلن يستنكف أن يكون عبد الله ، ولا الملائكة المقربون .
قوله تعالى:{ أولئك} الإشارة إلى المعبودات غير الله تعالى ، والمخصوص منهم بالقول من يعبد الله تعالى ؛{ الذين يدعون} والدعاء هنا بمعنى العبادة أو الالتجاء إلى الله تعالى ،{ يبتغون إلى ربهم الوسيلة} ، أي يبتغون الوسيلة إليه وهي الطاعة ، والمعنى يبتغون الطاعة ، ومجئ الوسيلة بمعنى الطاعة جاءت في آية أخرى وهي قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة . . .( 35 )} [ المائدة] ، أي اطلبوا الطاعة ، وهي الوصيلة الموصلة إليه سبحانه وتعالى .
وقوله تعالى:{ أيهم أقرب} ، "أي"اسم موصول بدل من الواو في يبتغون والمعنى على هذا من غير افتيات على النسج القرآني الكريم ، يبتغون ( أخص ) الذين هم أقرب ، أي أن هؤلاء الذين يبتغون الطاعة ويطلبونها ويريدون عبادة الله وحده هم الأقرب إلى الله .
فإذا كان أولئك المقربون الأطهار يبتغون إليه الطاعة ، ويرجونها فيكف تكون حال من يعبدونهم أنهم بذلك أولى أو أجدر .
ثم ذكر سبحانه ، وصفين أو حالين ينافيان أن يكونوا معبودين ، فقال:{ يرجون رحمته ويخافون عذابه} الواو عاطفة ، عطفت{ يرجون} على{ يبتغون} ، أي أن أولئك العباد المقربين يدعون الله وحده ، ويبتغون مزدلفين إليه بالطاعات ، ويرجون رحمة الله لأنه هو الغفور الرحيم ، ويخافون عذابه ، لأنه هو المنتقم الجبار:{ إن عذاب ربك كان محذورا} كان من شأنه أن يحذر أن يخاف ، وإن مقام الربوبية والعبودية أن يرجو الرحمة ويخاف العذاب ، ومن الأتقياء من يغلب الرجاء على العذاب ، ومنهم من يغلب الخوف على الرجاء ، وكلاهما في طاعة الله وفي أعلى مقامات العبادة لله تعالى .
وإذا كان ذلك شأن من يعبدونهم ، فأولى بالمشركين ثم أولى أن يعبدوا الله وحده لا يشركون به شيئا .