وإنّ النوم يكون فيه سكون النفس ، ولقد أنامهم الله سنين عددا لينجوا بدينهم ، وليكونوا حجة حسية على البعث ، وليكونوا من آيات الله تعالى في الوجود .
{ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا 11} .
كان الإيواء إلى الكهف فرارا من أذى المشركين ، ولهم في ذلك الوقت القوة والسلطان ، والعذاب مسلط على رقاب المؤمنين ، وخصوصا القلة الشابة منهم ، ولكن النجاة قد وفرها الله تعالى لهم فأبعدهم عن الأحياء المشركين- وإن كانوا أحياء – ولتتم لهم الطهارة التامة ، وتتم بهم الحجة الكاملة ، وهو صنيع الله تعالى ، فقال:{ فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا 11} .
( الفاء ) لعطف ما بعدها على ما قبلها من غير تراخ ، فهم أووا إلى الكهف فضرب الله على آذانهم وقد عرّف الله الفتية فقال:{ إذ أوى الفتية إلى الكهف} وتعريفهم لأنهم معهودون في الذكر في قوله تعالى:{ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا 9} .
والضّرب على الآذان مجاز ، فإنه يقال ضرب الحجاب إذا أغلق البيت ، ويقال بنى الخباء إذا سده ، فكني بقوله تعالى:{ فضربنا على آذانهم في الكهف} ، أي سددنا هذه الآذان بحجاب وضربنا عليه ضربا محكما لكيلا يصل إلى داخلها أي صوت ينبههم من رقادهم ، ويصح أن يقال شبهت حالهم في عدم السماع لأي صوت مع حياتهم بمن سدت آذانهم بحجاب قد ضرب عليها ، فلا يصل إليها صوت مهما يكن عاليا أو مزعجا ، فهم أحياء لا يحسون بالأحياء ، وقوله تعالى:{ في الكهف} فيه إشارة إلى أن في الكهف ذاته يصعب عليهم فيه الإحساس بما عند الأحياء من عذاب وإيلام ، وقد استمر ذلك أمدا طويلا ، ليس يوما ولا شهرا ، ولا سنة بل سنين عدة ، ولذا قال تعالى:{ سنين عددا} فجعل العدد وصفا للمعدود ، أي سنين كثيرة بالنسبة لنا ، أما بالنسبة لله تعالى فهي ليست شيئا مذكورا ، ويقول الزمخشري ومن تبعه:إن معنى{ عددا} ، أي ذوات عدد ، أي أنها تعد بالسنين عدا ، وقد قالوا إنه إذا قلّ العدد لا تحتاج إلى عد ، لأن الأصابع تحصيها ، أما إذا كثر العدد ، فإنه يحتاج إلى العد والحساب بعد هذه السنين الطوال التي لا تحصى إلا بالعد والحساب أيقظهم الله من رقادهم فقال تعالى:{ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا 12} .