{ إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا 10} .
عرفهم القرآن الكريم بأوصافهم ، وأول وصف من هذه الأوصاف أنهم فتية جمع فتى ، أي أنهم شبان في باكورة أعمارهم ، نفوسهم غضة لم ترهقها الأوهام ، ولا العادات والتقاليد ، ومورثات الآباء العتيقة التي عششت في رءوس من قبلهم ، بل إنهم على الفطرة السليمة ، والشباب دائما أسرع الناس إلى الحق إن لم يكن في توجيههم ما يعوق عنه أو يسدّ الحجاب دونه ، وقد قال في ذلك الحافظ ابن كثير:الشباب هم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم شبابا ، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل .
هذا هو الوصف الأول الذي وصف الله به أهل الكهف ، أما الوصف الثاني ، وهي نتيجة لسلام الطوية أنهم اتجهوا إلى الله تعالى بقلب محس بقدرة الله ومعجزته ، وبأنه سبحانه وتعالى المنعم الهادي دون غيره فقالوا:{ ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا} نادوا ربهم قائلين ،{ ربنا} ، أي الذي خلقتنا وكونتنا وطهّرت قلوبنا ، وخلّصت نفوسنا من الشرك وأوهامه ،{ آتنا من لدنك} ، من حضرتك القدسية ، وخزائنك التي لا تنفد ،{ رحمة} وإنعاما وتوفيقا ، وسلوكا مستقيما ودواما للتوفيق . ورحمة الله وسعت كل شيء وهي تعم كل حياة الإنسان ، والدعوة الثانية المنبعثة من إيمان عميق موجه ، وإذعان صادق يملأ القلب نورا ،{ وهيئ لنا من أمرنا رشدا} ، أي الأمر الذي اخترناه لأنفسنا من الإيمان في وسط الوثنية ، والرشد هو إدراك الأمور إدراكا مستقيما لا عوج فيه ، وهذا الطريق المستقيم يقتضي تجنب الشرك وطلب الحق ، والابتعاد عن كل مهاوي الرذيلة ، والاتجاه إلى طريق الفضيلة ومحاسن الأخلاق ، وألا يكون شطط ولا إفراط ، ولا تفريط ، إلا أن يدفع إلى ذلك الحق وتجنب الهوى .
يظهر أن أولئك الفتية طوردوا حتى أووا إلى الكهف ، فالإيواء لا يكون إلا عن منازعة يحسون فيها بأنهم لا قبل لهم بمن يريدون أن يفتنوهم عن دينهم ، وقد كان ذلك واقعا في عهد اضطهاد النصارى ، كما أشرنا وكما بينا في غير هذا الكتاب{[1453]} .