قوله تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُواْ ربنا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وهيئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا 10} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من صفة أصحاب الكهفأنهم فتية ،وأنهم أووا إلى الكهف ،وأنهم دعوا ربهم هذا الدعاء العظيم الشامل لكل خير ،وهو قوله عنهم{ربنا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وهيئ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا 10} .
وبين في غير هذا الموضع أشياء أخرى من صفاتهم وأقوالهم ،كقوله:{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} إلى قوله{يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ ويهيئ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا 16} و{إِذْ} في قوله هنا{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} منصوبة ب{اذْكُرْ} مقدراً .وقيل: بقوله{عَجَبًا 9} ومعنى قوله{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أي جعلوا الكهف مأوى لهم ومكان اعتصام .
ومعنى قوله:{آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} أي أعطنا رحمة من عندك .والرحمة هنا تشمل الرزق والهدى والحفظ مما هربوا خائفين منه من أذى قومهم ،والمغفرة .
والفتية: جمع فتى جمع تكسير ،وهو من جموع القلة .ويدل لفظ الفتية على قلتهم ،وأنهم شباب لا شيب ،خلافاً لما زعمه ابن السراج من: أن الفتية اسم جمع لا جمع تكسير .وإلى كون مثل الفتية جمع تكسير من جموع القلةأشار ابن مالك في الخلاصة بقوله:
أفعلة أفعل ثم فعله *** كذاك أفعال جموع قلة
والتهيئة: التقريب والتيسير: أي يسر لنا وقرب لنا من أمرنا رشداً .والرشد: الاهتداء والديمومة عليه .و{مِنْ} في قوله{مِنْ أَمْرِنَا} فيها وجهان: أحدهماأنها هنا للتجريد ،وعليه فالمعنى: اجعل لنا أمرنا رشداً كله ؛كما تقول: لقيت من زيد أسداً .ومن عمرو بحراً .
والثاني أنها للتبعيض .وعليه فالمعنى: واجعل لنا بعض أمرنا ؛أي وهو البعض الذي نحن فيه من مفارقة الكفار رشداً حتى نكون بسببه راشدين مهتدين .