{ ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا 12} .
العطف ب{ ثم} في موضعه ، لأن الزمن تطاول بين دخولهم الكهف وضرب الله تعالى على آذانهم فقد كانت سنين كثيرة لا تعرف إلا بالعد والإحصاء ، وسمى الله تعالى سماعهم بعد أن ضرب على آذانهم بعثا ، مع أنه ليس إلا أن يسمعوا بعد أن لم يسمعوا من غير أن يفقدوا حاسة السمع ، ولكن كان هناك حجاب يمنع من السماع بإرادة الله تعالى ، وسمى ذلك بعثا ، لأنه مظهر الحياة بعد أن اختفت ، فمع أنهم أحياء واستمروا أحياء طول هذه المدة ، وقد يقال في اللغة:بعثه ، إذا أيقظه من نومه ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته لأهله وعشرته:{ والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون}{[1454]} ، فبين البعث واليقظة بعد النوم مشابهة تجعل أحدهما كالآخر ، وخصوصا أن البعث هنا مع بقاء الحياة ، وإنما الذي غيب الكلام والسماع هو الرقاد .
وإنهم عندما استيقظوا بعد طول الرقاد ، اختلفوا على فريقين ففريق منهم قال:{ لبثنا يوما أو بعض يوم} ، وقالت كثرتهم:{ ربكم أعلم بما لبثتم} ، سمى الله تعالى الفريقين حزبين ، لأن الحزب ما ينحاز إلى أمر معين من دين أو حرب أو نصرة ، وحزب الله في دينه هم المفلحون ، كما قال تعالى:{. . .أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون 22} ( المجادلة ) .
كانوا في رقادهم لا يشعرون كم أمضوا من الوقت فقسم حدد وعين ، وقسم أكثر أربا ، وأشد تفويضا لم يهتموا ، فالله تعالى بين أن البعث سيعرفهم الحقيقة ، لأنهم يختبرون بالحياة ، ويعلمون في أي زمن يعيشون وفي عهد أي حاكم يكونون بعد هذا الرقاد ، ولذا قال تعالى:{ لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} إن الله تعالى يعلم كل شيء يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن ، فالله تعالى لا يعلم جديدا ، ولكن المراد أن يظهر ما يعلمه الله تعالى واقعا يعلمونه ، فمعنى{ لنعلم أي الحزبين} ، أي ليظهر علم الله تعالى واقعا محسوسا يعلمه الناس ، بعد كانوا يظنون ويحدسون .
وإن ذلك تنبيه إلى طول الأمد حتى تظنن أهله ، ولرقودهم الذي يشبه الموت اختلفوا فيه ، وليعلم الناس أن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ، وأن الأزمان أمرها نسبي وهي بالنسبة لله تعالى ليست بشيء يحصى .
والاستفهام هنا جعل ما بعد{ أي} يسد مد مفعولين ، ومعنى الاستفهام التنبيه إلى أن الزمن طال حتى اختلفوا في قدره ، وبعثوا من مراقدهم ليتعرفوا الزمان ، وفي أي زمان هم ، وبذلك يعرفون أي القائلين أصدق قيلا .
و{ أحصى} قيل:إنها أفعل تفضيل ، ولكن أفعل التفضيل لا يكون إلا من فعل ثلاثي مجرد ، ولكنه جاز استثناء ، والقرآن لا يحاكم أمام قواعد النحو لأنه فوقها ، وهو يوجهها ، ولا توجهه ، وقد كثر أفعل التفضيل في الرباعي كقولهم من أعطاه للمال ، وآتاه للخير ، ويقال إن أفعل التفضيل يجوز بعد تجريده من الزوائد ، إذ يصير ثلاثيا ، وفيه معنى الإحصاء ، وقوله تعالى:{ أمدا} معناه زمانا ، أي أعلم بمقدار الزمن الذي أحصى أهذا الذي قال يوما أو بعض يوم ، أم الذي فوض