وأنهم لم يكتفوا بمجابهة الجبار بعقيدتهم ، بل ذكروا بطلان عقيدة غيرهم فقالوا مبطلين الشرك:
{ هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا 15}
{ هؤلاء قومنا} ، الإشارة إلى الذين عاصروهم ممن كانوا على دين الجبابرة في عصرهم الذين يعبدون التماثيل ويعددون الآلهة بتعدد التماثيل ، فيقولون إله الحب ، وآلهة العدالة ، وغير ذلك من أسماء سموها ما أنزل الله تعالى بها من سلطان ، وذكروا قومهم للإشارة إلى ما يربطهم بهم من صلات الجوار والنسب .
أحيانا ، وفي ذلك إشارة إلى أن واجب هذه الصلات أن يرشدهم ويهدوهم ، وقالوا:ما يفعل هؤلاء ،{ اتخذوا من دونه} ، أي من غيره{ آلهة} ، يشيرون بذلك إلى أنها ليست آلهة ، ولكنهم عدوها كذلك وليس لها أي قدرة على الخلق والتكوين ، ولا تنفع ولا تضر ، إنما هي أوهامهم التي زينت لهم ألوهية على ما تصوره خيالاتهم ، والخالق المستحق للعبودية وحده هو الله الواحد القهار .
وليس عندهم برهان يدل على استحقاقهم للألوهية ، ولذا قالوا:{ لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن} ، أي هلا يأتون ببرهان قاطع منتج يدل على ألوهيتهم ، فالسلطان معناه البرهان الدال على هذه الألوهية التي أدعوها ، وعبدوها ، وهي لا تنفع ولا تضر ، فقام الدليل لمنع عبادتها ، ولم يقم البرهان على جواز عبادتها إنما هي أوهام توهموها .
ولقد أكدوا نفى الدليل بقولهم:{ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} الفاء للإفصاح ، لأنها تفصح عن شرط مقدر ، وتقدير الكلام ، إذا كانوا قد اتخذوها من غير برهان صحيح ، فقد ظلموا ، والاستفهام للنفي ، أي لا أحد أظلم ممن تعمد الكذب على الله بنسبة الشريك إليه سبحانه ،وكذبا مفعول افترى ، بمعنى قصد إلى الكذب ، أو نقول إن{ كذبا} حال موكدة لمعنى الافتراء .
وإنه إذا كان من كلام هؤلاء الفتية فهو تبكيت مقولهم ، لأنه لا دليل على الباطل المحال ، فهو لوم وتأنيب لهم ، ويقول تعالى:{. . . .أتجادلونني في أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان . . . 71}( الأعراف ) فهي أسماء لا مسميات لها .