وإن الله سبحانه وتعالى ثبت قلوبهم وجعلهم يقفون أمام جبابرة الأرض ، ولذا قال سبحانه:
{ وربطنا قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا 14} .
أي زدناهم هدى ، وثبتناهم وربطنا على قلوبهم إذ قاموا ، أي وقت أن قاموا مجاهرين بإيمانهم مجابهين طاغية من طواغيت الدنيا ،{ فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها} قالوا للطاغية لست ربنا ، ولا حجرك إلا هنا ، إنما ربنا الذي خلقنا وكوننا عقولا ونفوسا ومدارك ، وهو رب هذا الوجود كله ،{ رب السماوات والأرض} ،{ لن ندعو} ، أي لن نعبد إلها غيره ، لأنه لا إله غيره ، هو الواحد الأحد الحي القيوم ، ونراهم بهذا يربطون بين الخلق والتكوين والربوبية والعبادة ، فالخالق هو المعبود ، ولم يكونوا كالعرب يؤمنون بأن الله خالق السماوات والأرض ولكن يعبدون معه أحجارا وأوثانا ، أما هؤلاء الفتية ، فهم يقولون جازمين لن ندعو من دونه إلاها ، أي لن نعبد غيره إلها قط فلا نقر بالعبودية لغيره ، ويفرضون أنه وقع منهم ذلك ، فيقولون مؤكدين بما يشبه القسم:{ لق قلنا إذا شططا} ، أي قولا شططا ، والشطط الإفراط في الظلم والإمعان فيه ، من قولهم شط في القول إذا بعد عن حد المعقول . وهنا ملاحظتان بيانيتان:
الملاحظة الأولى:أن قوله تعالى:{ وربطنا} تدل على قوة ما أودعهم الله تعالى من إيمان لا يتزعزع فقد شبه قلوبهم بالحقبة الممتلئة إيمانا ، وقد ربط عليها رباطا محكما كالوكاد{[1455]} يشد عليهم فلا تضطرب أمام جبار كائنا من كان ، لأنه عامر بالإيمان لا يضطرب .
الملاحظة الثانية:أنهم أكدوا قولهم ، وأصروا على إيمانهم بقولهم:{ لقد قلنا إذا شططا} ، فإن هذا الكلام يشير إلى أمرين:
الأمر الأول:تأكيد القول باللام الموطئة للقسم وقد الدالة على التحقق .
الأمر الثاني:أنهم أكدوا نفي الألوهية عن غير الله سبحانه وتعالى نفيا مؤكدا ، فقالوا:{ لن ندعوا من دونه إلها} .