قوله: ( وربطنا على قلوبهم ) أي ثبتناهم وقويناهم بالصبر على مخالفة قومهم المشركين ومفارقة ما كانوا فيه من النعمة والسعة والعيش الرغيد فرارا بدينهم وخشية الفتنة .
قوله: ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها ) ذكر بعض المفسرين أن هؤلاء الفتية كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم ،وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه ،وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها ،وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه .فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم ،والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السماوات والأرض .فجعل كل منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية .حتى اجتمعوا كلهم على قدر تحت ظل شجرة .وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان .وقد جاء في حديث البخاري عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: قال رسول الله ( ص ):"الأرواح جنود مجندة ،فما تعارف منها ائتلف ،وما تناكر منها اختلف "{[2777]} .ولما عرف بهم قومهم وشوا بأمرهم إلى الملك فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق ،وأمرهم باتباع دينه وتوعدهم على رفض ذلك بالقتل فقالوا له في عزم وثبات ما قاله الله: ( ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا ) ( شططا ) ،منصوب على أنه صفقة لمصدر محذوف ،وتقديره: قولا شططا .وقيل: منصوب بالفعل ( قلنا ){[2778]} والشطط ،في اللغة ،مجاوزة القدر في كل شيء{[2779]} وهو الجور والظلم .والشطوط ،معناه البعد .واشتط ؛أي أبعد .والمراد به هنا: الإفراط في الظلم والافتراء ،والإبعاد في الجور والكذب .